لا تستطيع الجامعات المغربية حجز مراتب متقدمة ضمن التصنيفات العالمية، إذ تظل غالبا متأخرة ضمن مؤشرات تتمكن نظيراتها من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حجز أماكن فيها.
وكشف تصنيف “شنغهاي” الشهير عن لائحة ألف جامعة الأفضل عبر العالم لسنة 2022، وهو التصنيف الذي لم تستطع أي جامعة مغربية حجز مكان لها به؛ وهو الأمر الذي تكرر لسنوات.
في المقابل، استطاعت سبع جامعات مصرية حجز أماكن لها. ويتعلق الأمر بكل من جامعة القاهرة، وجامعة الإسكندرية، وجامعة المنصورة، وجامعة عين شمس، وجامعة الأزهر، وجامعة الزقازيق، وجامعة كفر الشيخ.
ونجحت جامعات من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن ولبنان وسلطنة عمان وقطر من ولوج التصنيف العالمي الشهير.وبحسب مختصين، تتعدد أسباب غياب الجامعات المغربية عن التصنيفات العالمية؛ ويتعلق الأمر بنظام التدريس، مرورا بضعف اللغات ووصولا إلى عدم تحفيز الأساتذة، ناهيك عن ضعف البحث العلمي.
وفي هذا الإطار ذكر جمال الصباني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي، إشكالين أساسيين هما نظام التدريس في المغرب وعدم القدرة على استقطاب الأساتذة من جهة أخرى.
وقال الصباني، ضمن تصريح لهسبريس، إن “التعليم العالي اتبع نظامًا مزدوجًا منذ الستينيات، إذ انقسم إلى مؤسسات التدريب التنفيذي، من قبيل المعهد الزراعي ومدارس الهندسة، والمدرسة الحسنية وغيرها، ثم المؤسسات الجامعية”، موضحا أن الأولى “مهنية ذات استقطاب محدود، مع المزيد من الوسائل، لكن لا تملك إمكانية إجراء البحوث؛ في حين أن الثانية أكاديمية ذات استقطاب مفتوح، مع وسائل أقل وإمكانية إجراء البحوث”.
وأشار الجامعي ذاته إلى أن “هذه الازدواجية أدت إلى فصل التدريب المهني عن البحث العلمي، والجامعة عن التدريب المهني”، متابعا: “أدى هذا الفصل لفترة طويلة إلى حرمان جزء كبير من المعلمين والباحثين في مؤسسات التدريب التنفيذي من المساهمة في الإنتاج العلمي والتقدم في حياتهم المهنية”.
وبحسب الصباني فقد أدى الأمر أيضا بالمغرب إلى “تصدير، أو بالأحرى تقديم المعرفة الأساسية التي لا يمكنه استخدامها، واستيراد المعرفة التقنية التي لا يمكنه إنتاجها”، وزاد: “بمرور الوقت سيتم فرض ضريبة على البحث العلمي باعتباره ترفًا، وسينتهي به الأمر إلى إقناع الناس بعدم جدواه”، مردفا: “هذه الازدواجية ستشتت الموارد وتضعف التعليم العالي بشكل دائم”.
من جانبه استدل محمد الدريوش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، بمثال غياب الجامعات عن تصنيف شنغهاي لأفضل ألف جامعة عبر العالم، وهو الأحدث على الإطلاق، معلقا بالقول: “هذا التصنيف نعده الأكثر معقولية والأضبط في المعايير والشروط المعتمدة، مقارنة مع غيره من التصنيفات التي تصدر عن مؤسسات ومعاهد إما أوروبية أو عربية أو إفريقية. ونسجل مرة أخرى تصدر الجامعات الأمريكية لهذا التصنيف، الذي يهم العلوم بشتى أنواعها”.
وقال الدريوش ضمن تصريح لهسبريس: “لا بد من التذكير هنا بأن مؤسسات التصنيف الدولي للجامعات تعتمد معايير متعددة يمكن تلخيصها في النقط التالية: جودة التعليم، وذلك من خلال عدد الحاصلين على جوائز نوبل أو أوسمة فيلدز. وتعطى لهذا المعيار حسب التصنيف 10 أو 20 في المائة، وتمنح عليه جامعة شانغهاي”.
أما المعيار الثاني بحسب الدريوش فهو “جودة هيئة التدريس، وذلك من خلال تقييم المردودية على المستويين الداخلي والخارجي، عبر تقييمات الطلبة والشعب؛ ويأخذ 40 في المائة من التقييم”، متابعا: “هناك أيضا معيار اعتماد اللغة الإنجليزية في نتائج البحث، وهو نقطة ضعف الجامعات المغربية، ذلك أن اللغة السائدة عالميا هي الإنجليزية ثم الصينية من حيث العدد، لكن الإسبانية تنشط أكثر في مجال حركات الترجمة”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “هناك معيارا آخر يتعلق بالنشر في المجلات الدولية المحكمة، وهي معلومة لدى كل معاهد التصنيف الدولي، ويمنح عليها تقييم ما بين 20 و40 في المائة بحسب الجهة المصنفة؛ بالإضافة إلى معيار أعداد الطلبة والأساتذة وحجم الجامعات والمؤسسات البحثية، ويعطى عليه تقييم 10 في المائة، ليكون الحكم هو 100 في المائة”.
وأورد الدريوش أن “هذا يسائل القائمين على السياسات العمومية في بلدنا منذ سنوات”، وزاد معلقا: “كل سنة نصطدم بترتيب غير مشرف للدينامية التي تعرفها مجموعة من المجالات، وكل سنة نطلع على نتائج هذا التصنيف دون أن يتبع ذلك أي قرار أو إجراء”.
أما عن أسباب الأمر “فمتعددة ومتشعبة”، حسب رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، قائلا إن “واقع التعليم العالي والبحث العلمي مقلق جدا ويسائلنا جميعا، فهو يعيش مشاكل معقدة وبنيوية موضوعية وذاتية؛ فرغم مجهودات الدولة في ضخ مقادير مالية غير مسبوقة لم نتمكن من الانطلاق الفعلي نحو السباق، إذ منذ تفعيل مقتضيات الميثاق الوطني والقانون 01-00 ونحن نتقدم خطوة لنتراجع خطوات، كما أن أسباب هذا الواقع مرتبطة أساسا بالمسؤول الحكومي عن القطاع”.
كما شدد المتحدث ذاته على أن “كل من يتحمل هاته المسؤولية ينطلق من تحت الصفر في التدبير والقرارات، وهذا أمر له انعكاسات سلبية على مكونات التعليم العالي، من أساتذة وطلاب وإداريين، بل له آثار سلبية على الجهات المتعاونة”.
وأشار الدريوش إلى أن من بين الأسباب أيضا المسألة اللغوية، قائلًا إنها “لا ترتبط أساسا بالفرنسية، بل بالمستوى التعليمي للغات لأغلب التلاميذ الذين يلجون مؤسسات التعليم العالي بالمغرب، فهم لا يتقنون العربية ولا الفرنسية ولا الإنجليزية ولا الدارجة المغربية ولا الأمازيغية؛ وهذا أمر يعيق مراحل التكوين”.
وتابع المتحدث: “كما أن ممارسات أغلب الرؤساء والعمداء في تدبيرهم وتسييرهم تشكل عائقا أساسيا أمام تطور منظومة التعليم العالي ببلادنا، وهو أمر يعود – في اعتقادنا – إلى طرق انتقاء هؤلاء المسؤولين، التي ترتكز أساسا على الولاءات وعلى المحسوبية والزبونية والحسابات الذاتية”، وأردف: “إذا أضفنا واقع الفساد الذي تفجر في مجموعة من المواقع، من رشوة ونقط مقابل الجنس، أو التوظيف أو الماستر، أو النجاح حتى، سنكون نقدم أسوأ صورة عن تعليمنا العالي”.
وأما ما يقترحه المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين من حلول لتجاوز هاته الأوضاع، “التي لا تشرف المغرب بكل مكوناته”، فقال الدريوش إنه يجب “ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتقديم النتائج في تدبير أي مستوى، من المختبر إلى الوزارة، ثم اتخاذ قرارات بنيوية في المنظومة، بدءا بالتعليم الأولي ومرورا بالابتدائي والثانوي، ثم العالي، في مواضيع المناهج والبرامج ولغات التدريس والبحث”، خاتما: “نقول هذا ونحن نسجل باعتزاز كبير المجهودات الفردية والجماعية التي يقوم بها مجموعة من الأساتذة الباحثين، بمبادرات شخصية أحيانا ومؤسساتية في أحيان أخرى، وجعلت مجموعة من الجامعات والمؤسسات تحتل ترتيبا متقدما مغاربيا وعربيا وإفريقيا. لكن هذا لا يكفي من أجل مسايرة التطور العالمي المتسارع في كل المجالات”.