قال أحمد كروم، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر أكادير، إن “في زمن الرقمية العلمية والمنافسة البحثية لا نجد هيكلة رقمية للإنتاج البحثي والعلمي المغربي وأقصد بذلك؛ غياب منصات مغربية وطنية لها إشعاع عالمي كمنصات تخدم المجلات والأبحاث الجامعية Scientific Journal Platform وتشرف عليها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وتدعم عبرها بناء مجتمع المعرفة الرقمي”.
وأشار الأستاذ الجامعي، في مقال له بعنوان “من المسؤول عن غياب هيكلة المنصات الرقمية لأبحاث المغاربة؟”، إلى أن “غياب المنصات البحثية الرقمية المغربية التي تجمع المجلات الناشرة لأبحاث المغاربة، هو غياب مباشر لمجتمع بحثي مغربي معرفي تراكمي، وهو تعطيل لا تبرير له، تعطيل لبنية تراث رقمي حضاري قديم وحديث”.
ونبّه كروم إلى أن “غياب الوزارة عن ثقافة التأسيس للمنصات الرقمية الوطنية القوية ومبادراتها في تشجيع الباحثين على الانخراط في موادها البحثية الوطنية، هو غياب حتمي عن المواكبة البحثية المتجددة، وغياب لدور المجلات في خدمة البحث بكافة مجالاته، وغياب للباحثين عن أحدث الإحصائيات وآخر المستجدات في المواضيع البحثية المختلفة”.
هذا نص المقال:
في زمن الرقمية العلمية والمنافسة البحثية لا نجد هيكلة رقمية للإنتاج البحثي والعلمي المغربي وأقصد بذلك؛ غياب منصات مغربية وطنية لها إشعاع عالمي كمنصات تخدم المجلات والأبحاث الجامعية Scientific Journal Platform وتشرف عليها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وتدعم عبرها بناء مجتمع المعرفة الرقمي.
لقد خلّف هذا الغياب السلبي آثارا مضرة لا يعلم حجمها إلا من وقف على التجاهل المريب الذي فوّت على الأبحاث الوطنية مصلحة جماعية معطلة صارت محل نهب للأبحاث المغربية واستيطانها في منصات أجنبية. قد يقول قائل: عندنا بوابات للمجلات العلمية، مثل المنصة المغربية للمجلات العلمية، والمجلات الإلكترونية الجديدة التابعة للمركز الوطني للبحوث العلمية والتكنولوجية CNRST لكن عين اليقين تكذب ذلك، فليس هناك سوى عناوين فارغة بمادة هزيلة أشبه بالثكنات المهجورة العارية من المحتويات العلمية، لا يصدق عليها تسمية المنصة البحثية ولا ترتبط منها بسبب.
إن غياب المنصات البحثية الرقمية المغربية التي تجمع المجلات الناشرة لأبحاث المغاربة، هو غياب مباشر لمجتمع بحثي مغربي معرفي تراكمي، هو تعطيل لا تبرير له، تعطيل لبنية تراث رقمي حضاري قديم وحديث. ولا غرابة أن نجد ونحن نبحث في ابن العنكبوت (غوغل) أبحاثا مغربية في تخصصات مختلفة استوطنت منصات بحثية عربية وأجنبية أكسبتها شهرة، ومكنت لها ترتيبا وتصنيفا. هذا الاستيطان المجاني المستورد من تراثنا، يشعرنا بأسف عميق، لضياع مصلحة نحن أولى بصناعتها ودعمها قطريا وعربيا وعالميا.
إن بناء المنصات الرقمية الدولية الجامعية والموسوعية هي مصلحة وطنية مستعجلة، ومشروع هيكلي وطني من مسؤوليات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومن مسؤوليات الجامعات الوطنية التابعة لها، والمراكز البحثية ومختبراتها، لأن فيها تنشيطا للمؤسسات البحثية ودعما لا ماديا للتعريف المباشر بمسار الأبحاث الأكاديمية المحكّمة المنشورة، إضافة إلى تشجيع التصنيف الأكاديمي لرموزها التسلسلية العالمية… في بلد عربي مثلا كالعراق، لو دخلنا إلى المنصة البحثية لإصداراته الجامعية التي تشرف عليها وزارة التعليم العالي العراقية ضمن المجلات العلمية الأكاديمية العراقية: Iraqi Academic Scientific Journals سنجد أن هذه المنصة قد أسهمت في إنشائها 92 مؤسسة أكاديمية بحثية وطنية منظمة بإصدارتها المتاحة، وتتضمن نحو 212860 بحثا محكما، ووعاء بحثيا رقميا عالميا متنقلا وهو اعتبار قيمي مكن لها حضورا وازنا في العالم العربي وخارجه. وفي بلد قريب منا كالجزائز تتضمن المنصة الجزائرية للمجلات العلمية ASJP تقريبا 177و563 مقالا وتسهم في تأسيسها 739 مجلة ولها حضور في التحكيمات البحثية وشهرة بحثية محترمة.
أقول: إن من أثار هذا الغياب المغربي للمنصات البحثية فرصة استفاد منها غيرنا، نعم استفادوا من أبحاثنا وغياب وجود مجلاتنا ضمن اللائحة المعتمدة في النشر في ترقيات الجامعات العربية وتحكيماتها العلمية المعتمدة. ولعل المتصفح في قائمة المجلات والأبحاث المحكمة لا يكاد يجد مجلة مغربية واحدة معتمدة، تدخل التنافس وتسارع في تقديم أفضل الخدمات في النشر وموثوقية الأبحاث وجودتها. فمثلا حينما نبحث في مواقع أشهر المنصات الرقمية في المجلات العلمية المحكمة المتخصصة في العلوم الإنسانية وغيرها فلا نكاد نعثر لنا فيها على موطئ قدم.
أما حضور الإنتاج البحثي المغربي بأغلب تخصصاته في قاعدة بيانات SCOPUS التي هي عبارة عن تصنيف عالمي ضخم على شبكة الإنترنت، والذي يحتوي على المجلات العلمية المحكمة، بعناوينها ومحتوياتها المصنفة وفقا للجودة وقوة المضمون فنحن مازلنا منزاحين عن ولوجه.
بمعنى آخر، إن غياب وزارتنا عن ثقافة التأسيس للمنصات الرقمية الوطنية القوية ومبادراتها في تشجيع الباحثين على الانخراط في موادها البحثية الوطنية، هو غياب حتمي عن المواكبة البحثية المتجددة، وغياب لدور المجلات في خدمة البحث بكافة مجالاته، وغياب للباحثين عن أحدث الإحصائيات وآخر المستجدات في المواضيع البحثية المختلفة. فلا جدوى للأبحاث الفردية اليتيمة وللمؤتمرات العشوائية دون منصات بحثية تدعم التراكم البحثي وتعزز إشعاعه المستقبلي.