كان مقرُّ رئاسة النيابة العامة بالرباط، اليوم الخميس، شاهداً على مراسيم توقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين رئاسة النيابة العامة والهيئة الوطنية للمعلومات المالية، تقوّي وتعزز آليات التنسيق المتعلقة بتدبير الأبحاث القضائية في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الأصلية.
وتهدف الاتفاقية، التي وقّعها كلٌّ مِن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، ورئيس الهيئة الوطنية للمعلومات المالية، جوهر النفيسي، بحضور عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، وزينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، إلى تعزيز التنسيق بين الطرفين في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم ذات الصلة، “أخذاً بعين الاعتبار المعايير الدولية، لاسيَما توصيات مجموعة العمل المالي”.
ويأتي توقيع هذه الاتفاقية في إطار تفعيل أحكام القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال كما تم تغييره وتتميمه، خاصة بمقتضى القانون رقم 18-12 المنشور بالجريدة الرسمية في يونيو 2021، وانطلاقا من الأهداف المشتركة بينهما، لاسيما ما يتعلق بمكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الأصلية.
وبموجب هذه الاتفاقية، سيعمل الطرفان على “تفعيل التكوين المستمر عبر تأهيل العنصر البشري وتكوينه في ما يتعلق بضبط مخالفات أحكام القانون المذكور وتحقيق النجاعة في الأبحاث والتحقيقات المالية في هذا النوع من الجرائم”. كما نصَّت الاتفاقية على التعاون من أجل تنفيذ أحكامها، لاسيما في ما يتعلق بتبادل المعلومات والوثائق المتعلقة بجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الأصلية ذات الصلة، فضلا عن تأطير إحالة الملفات من قبل الهيئة على النيابات العامة المختصة أو العكس، وإصدار دلائل أو دراسات مشتركة؛ في حين يشكّل التكوين والتحسيس، وتعزيز التنسيق والتشاور والتقييم الوطني والقطاعي لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب إجراءاتٍ أساسية تتضمنها.
وفي كلمة ألقاها بهذه المناسبة، عبّر الحسن الداكي، الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، عن سعادته لانعقاد هذا اللقاء الذي قال إنه “مندرجٌ في إطار انفتاح رئاسة النيابة العامة على مختلف الفاعلين في مجال محاربة الجريمة بالمغرب”، مشيراً إلى أنه يشكل “مُناسبة للنقاش والتبادل ومساءلة كل أجهزة إنفاذ القانون في القيام بأدوارها الأساسية القانونية في التنسيق لمحاربة جريمة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب”.
وأشاد الداكي بـ”انخراط رئاسة النيابة في الإستراتيجية الوطنية المخصصة لمكافحة هذا النوع من الإجرام الخطير”، سواء على المستوى الوطني، من خلال الحرص على سرعة وفعالية الأبحاث التمهيدية والمساعدة في تجهيز الملفات لتقليص أمد البت في الدعوى العمومية، أو على المستوى الدولي من خلال تفعيل إجراءات التعاون الدولي وتفعيل المعايير الدولية، وعلى رأسها توصيات مجموعة العمل المالي بمناسبة إدارة الأبحاث التمهيدية وجمع وسائل الإثبات وتحريك المتابعات.
وجدَّد رئيس النيابة العامة التذكير بتوجيه دوريتيْن إلى النيابات العامة “من أجل التوجيه والتحسيس ووضع مؤشرات لقياس الأداء بما يتناسب مع المخاطر”، بالإضافة إلى وضع نظام معلوماتي خاص بقضايا غسل الأموال على مستوى المحاكم الابتدائية بالرباط، ومراكش، والدار البيضاء وفاس، ومحاكم الاستئناف لهذه المدن ذات الاختصاص مكانيا، فضلا عن وضع “تطبيقية معلوماتية خاصة بإجراءات التعاون الدولي على مستوى رئاسة النيابة العامة، وإعداد دليل إرشادي حول تقنيات البحث والتحقيق في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتعقب الأموال ذات الصلة وحجزها”.
الداكي أوضح، في تصريح لوسائل الإعلام الحاضرة، أن هذه الاتفاقية هي “بمثابة إعداد وتأطير العمل المشترك بين رئاسة النيابة العامة والهيئة الوطنية للمعلومات المالية في إطار تكريس وتنزيل كل الخطط التي تخدُم محاربة هذا النوع من الجرائم، وأيضاً في إطار التوجيهات التي كانت قد أشارت إليها مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
هذه الخطوة تُعتبر، حسب رئيس النيابة العامة، “لبِنة أخرى مُضافة لصَرح العمل المشترك المتواصل مع الهيئة الوطنية للمعلومات المالية”، قبل أن يؤكد “الاستمرار الدائم في هذا العمل الشامل لمجالات التكوين وتبادل المعلومات، والتنسيق التام مع باقي ومختلف الأجهزة والأطراف المكلفة بإنفاذ القانون”، مُجدّداً التذكير بإبرام اتفاقيات سابقة مع مؤسسات وطنية تعنى بالشأن المالي، أبرزها بنك المغرب، والمجلس الأعلى للحسابات والهيئة المغربية لسوق الرساميل؛ ليختم تصريحه قائلاً: “سيكون دائماً عملُنا مشتركاً، الغاية منه خدمة الوطن ومحاربة الجريمة وبناء اقتصاد وطني قوي ومتين بعيداً عن كل الشبهات”.
من جهته، أوضح جوهر النفيسي، رئيس الهيئة الوطنية للمعلومات المالية (ANRF)، أن هذه الاتفاقية تأتي في إطار شراكة إستراتيجية قائمة بين الجانبين، مشيراً إلى أن “المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتضمن عديد الفاعلين، سواء في الشق الوقائي أو الزجري”، ومضيفاً أن “هذا الأخير تلعب فيه النيابة العامة دوراً مهما باعتبارها شريكا إستراتيجيا للهيئة”.
وتندرج الاتفاقية – من جهة أخرى- حسب إفادة النفيسي، في سياق دولي متصاعد للتصدي للجرائم المالية، وذلك “في إطار تنزيل التزامات المغرب مع مجموعة العمل المالي الدولية ومَثيلتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تترأسها المملكة المغربية هذه السنة، وتعدّ عضواً مؤسساً لها منذ 2004″؛ لافتاً إلى أن المغرب ملتزمٌ بتنفيذ برنامج عمل لمكافحة الظاهرة ضمن آجال محددة من خلال تفعيل الاتفاقية المُوقعة والسهر على تتبّع تنفيذها من طرف لجنة مشتركة، تتولى مهمة تكثيف التعاون بين سلطات إنفاذ القانون وهيئة المعلومات المالية كمنسق وطني في مجال مكافحة غسل الأموال.