لا يمكن الحديث عن سوسيولوجيا التنظيمات بمعزل عن سوسيولوجيا حل النزاع. لقد باتت التنظيمات اليوم في أمس الحاجة لتطبيق استراتيجيات التفاوض وتدبير النزاع، هذا النزاع الذي أخذ يتكاثر داخل التنظيم، حتى أصبح لسوسيولوجيا التنظيمات الريادة في حل النزاعات داخل المقاولات والتنظيمات عموما .
سننطلق في هذا المقال من تبيان مفهومي كل من “النزاعات” و”التنظيمات”، وكذا نشأة سوسيولوجيا التنظيمات وعلاقتها بسوسيولوجيا حل النزاعات، مع كيفية مساهمتهما في حل النزاعات داخل التنظيمات .
ما لبث أن ظهر علم الاجتماع وأسس شروطه العلمية المتمثلة في الموضوع (الظاهرة الاجتماعية) المنهج والقوانين، حتى تفرعت عنه ميادين جديدة، هذه الفروع الابستيمولوجية التي حاولت مقاربة جملة من الظواهر التي لم يستطع علم الاجتماع العام أن يخصها بالدراسة والتحليل.
ولعل علم اجتماع التنظيم أو سوسيولوجيا التنظيمات كانت إحدى أهم فروعه، إذ بعد ظهور علم الاجتماع الصناعي وعلم الاجتماعي المهني باتت الحاجة ماسة لهذا العلم بغية دراسة جملة من المواضيع من قبيل الأداء التنظيمي، مشكلات التنظيم، السلوكات داخل التنظيم، النزاع داخل التنظيم وغيرها. ولا شك أن هذا الأخير كان محط اهتمام العديد من الباحثين والدارسين، في غياب الاستقرار داخل المقاولة أو أي تنظيم يغيب فيه وجود هيكل تنظيمي قارن ومتوازن، لا سيما وأن المقاولات اليوم تشهد جملة من أشكال النزاع بين الفاعلين فيها، سواء بين الموظفين/ العمال أنفسهم أو بين هؤلاء وأرباب العمل أو بين هؤلاء وأطراف أخرى، بيد أنه بات على هذه المقاولات طرح جملة من المراحل للفصل بين المتنازعين، وتحديث طرق فض النزاعات، وهنا تكون الحاجة ماسة لسوسيولوجيا التنظيمات، لكن
كيف تساهم هذه السوسيولوجيا في فض النزاعات داخل المقاولات والتنظيمات عموما؟
أولا: النزاع
يعرف ريمون آرون النزاع على أنه “نتيجة التنازع بين شخصين أو جماعتين أو وحدتين للسيطرة على نفس الهدف، أو السعي لتحقيق أهداف غير متجانسة، أما ويلمورت وهوكر فقد عرفا النزاع على أنه “تصارع فعلي بين طرفين أو أكثر يتصور كل واحد منهما عدم توافق أهدافه مع الآخر أو عدم كفاية الموارد لكلاهما وتعويق تحقيق أهدافهم”.
وفي نظرنا فالنزاع هو حالة من الاعتقاد باختلاف المصالح والاهداف غير المتوافقة، اذ يوجد حيث يود شخصان القيام بأفعال غير متوافقة، أنه مواجهة يسعى كل طرف اجتماعي من خلالها لتحقيق الربح.
ثانيا: التنظيم
يعني التنظيم عند عمار بوحوش “جمع الناس في منظمة وتقسيم العمل في ما بينهم وتوزيع الأدوار عليهم حسب قدرتهم ورغباتهم والتنسيق بين جهودهم بهدف الوصول إلى أهداف محددة” في حين عرفت قراويتز التنظيمات على أنها “تجمعات إنسانية أنشئت عقلانيا من أجل تحقيق أهداف محددة، ومن خصوصياتها تقسيم العمل، السلطة، تقاسم المسؤوليات، شبكة الاتصالات المخططة ومراقبة كلية للمجموع بهدف تفادي الانحراف عن الأهداف المسطرة”.
ومن وجهة نظرنا تعني التنظيمات قيام مجموعة من المؤسسات التي تسعى إلى تحقيق أهداف مشتركة تختلف من حيث الخصوصيات والأنواع (تنظيمات اجتماعية، اقتصادية، سياسية، قانونية… إلخ).
سوسيولوجيا التنظيمات
ارتبط علم اجتماع التنظيم في نشأته ارتباطا وثيقا بعلم الاجتماع الصناعي. ففي عام 1944، استكمل “إلتون مايو” E.Mayo وزملاؤه دراساتهم التي قاموا بإجرائها في عدة تنظيمات صناعية وهي: مصنع النسيج بالقرب من فيلادلفيا، ومصانع الطائرات في جنوب كاليفورنيا، ومصنع المعادن، ومصانع “هاوثورن”Hawthorne لإنتاج معدات الهواتف التابعة لشركة “ويسترن إلكتريك” الموجودة في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة. وبعد ذلك سيحاول علماء الاجتماع الاستفادة من هذه الدراسات ومن نتائجها، وعلى ضوئها سيبرز فرع جديد داخل السوسيولوجيا تحت اسم “علم اجتماع التنظيم”، يعنى بدراسة المؤسسات التنظيمية من مختلف جوانبها، فالشيء الذي أسهم في هذا الظهور القوي هو النمو الواسع للتنظيمات إلى درجة الحديث عن عصر التنظيمات بامتياز، وهذا ما أشار إليه روبرت بريثيوس حينما تحدث كون المجتمع الحديث هو مجتمع تنظيماتي بشكل كبير، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فما أصبح عليه التنظيم من أهمية داخل الحياة الاجتماعية قد زاد من سرعة ظهور هذا الفرع، إذ أن الإنسان المعاصر لا يمكن أن يعيش خارج التنظيم فهو منه وإليه. وبالتالي، فإن هذه الأدوار الاجتماعية التي يلعبها التنظيم اليوم تجعل جملة من الموضوعات والإشكالات تفرض نفسها على الباحث السوسيولوجي.