بعد “شد وجذب” بصَم المسار التشريعي لمشروع قانون 18.18 المتعلق بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، أسدَل مجلس النواب، مساء أمس الاثنين، الستار على هذا المسلسل، بتصويت 99 نائبا برلمانيا لصالح المشروع؛ في حين امتنع 6 نواب رافضين عدم إدراج التعديلات التي تقدمت بها “المجموعة النيابية للعدالة والتنمية”.
ومقابل تأكيد وزير الداخلية، أثناء تقديم المشروع، على أن هذا الأخير جاء بـ”رؤية متجددة تسعى إلى تشجيع العمل الخيري وتنظيمه بشكل يرفع من مردوديته وفعاليته، من خلال تبني قواعد حكامة جيدة مبنية أساسا على ضمان الشفافية في عمليات جمع التبرعات وتوزيع المساعدات”، مبرزا السعي إلى “تفعيل دور الدولة في التتبع والمراقبة بشكل يحافظ على البعد الإنساني لهذه العمليات ويضمن عدم توجيهها لخدمة أهداف مشبوهة”؛ ارتفعت بعض الأصوات التي رحّبت بإقرار القانون وتجديد ترسانته بعد مسار تشريعي طويل امتد منذ العام 2018، لكن مع تسجيلها “مؤاخذات وملاحظات” عديدة عابتها على القانون مضمونا ومسطريا.
وكان من أبرز مستجدات هذا المشروع أنه قد تضمن “إخضاع جميع عمليات دعوة العموم إلى جمع التبرعات “مسطرة الترخيص المسبق لدى الإدارة، كيفما كانت الوسيلة المستعملة”؛ ما يعني شموله لمعظم أشكال جمع التبرعات الواقعية منها والرقمية، عدا تلك التي تتم بشكل تقليدي كالجنائز والمناسبات والأعياد. كما حصر المشروع القيام بعمليات دعوة العموم إلى التبرع في “جمعيات المجتمع المدني دون غيرها، ما عدا إذا كان الهدف هو تقديم مساعدات عاجلة في حالة الاستغاثة، حيث يمكن القيام بذلك من قبل الأشخاص الذاتيين غير المنضوين في إطار جمعيات”.
“قانون إيجابي، لكن لدينا مؤاخذات”
أحمد مزهار، عضو “تنسيقية ائتلاف مبادرة المجتمع المدني” بالمغرب، شدد على “تثمين الأدوار والمبادرات المدنية لمساعدة الدولة كمساهم شريك لها في التنمية والحد من الهشاشة والرقي بالخدمات في قطاعات عديدة”؛ إلا أن الائتلاف سارع، منذ 2018، إلى دراسة هذا القانون عبر مجموعة لقاءات أفضت إلى “قراءة وتقييم سلبي لمقتضياته التي اعتبرنا أن بعض مواده تحدّ من حرية المجتمع المدني وتقيّد تحركاته”.
وجدد مزهار، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، تأكيد الائتلاف على أن المشكل الرئيسي في القانون 18-18 هو “اعتباره المجتمع المدني قطاعا تابعا للدولة؛ في حين أنه هيئات مستقلة لا علاقة لها بالدولة، نظرا لأن الدستور يعترف بها كسلطة إضافية إلى السلطات التشريعية والقضائية والإعلامية”؛ وهو ما يقتضي، حسب المتحدث ذاته، “نوعا من الحرية في المبادرة”.
وسجل الجمعوي ذاته “وجود مواد في صيغة القانون كما صودق عليه (من 37 إلى 41) تتضمن عقوبات وغرامات مادية مرتفعة جدا تصل إلى 500 ألف درهم”، لافتا أيضا إلى “انتقادات طالت المادة المتعلقة باستثناء الأشخاص المَدينين من عمليات جمع التبرعات من العموم”.
بالمقابل، سَجل مزهار نقاطا إيجابية تتعلق بـ”تجاوز القانون الجديد في صيغته الحالية لثغرات ونقائص قانون 1971 عن التماس الإحسان العمومي”، مع “تقنين جمع التبرعات الرقمية، وكذا التنصيص على تقريب الخدمات بجعل المسطرة القانونية للتبرعات وجمعها وتوزيعها ممكنة في كل إدارات أقاليم وعمالات المملكة”.
وأعاب الفاعل المدني ذاته على مصالح وزارة الداخلية وباقي القطاعات التي أعدّت نص مشروع القانون مسألة “عدم إشراك المجتمع المدني وجمعياته في الاستشارات، قبل اعتماد نصه وإحالته على لجنة الداخلية بمجلس النواب”. وزاد موضحا: “تنسيقية الائتلاف تفكر في سلك مسطرة دستورية تتمثل في تقديم ملتمس تشريعي وجمع توقيعات قصد طلب قراءة ثانية لمشروع القانون تتيح إدخال تعديلات جديدة، مع رفع ملتمس إلى جلالة الملك في هذا الصدد” خالصا إلى مطالبة وزارة الداخلية بـ”سن نظام محاسباتي خاص بالجمعيات لضمان شفافية التمويلات”.
مطالب “الإسراع بإخراج المراسيم التنظيمية”
من جانبها، تقاسَمت كريمة بنجلون التويمي، عضو “حركة مبادرات من أجل إصلاح المنظومة القانونية للجمعيات بالمغرب” (المعروفة اختصارا بـ”MIRLA”)، الرأي ذاته مع مزهار بخصوص “عدم استشارة والأخذ برأي المجتمع المدني أثناء مسار إعداد القانون”، لافتة إلى أن تنظيمهم الجمعوي كان أول مَن أثار هذه النقطة ونبه إليها.
ولفتت بنجلون التويمي، التي تنشط أيضا في صفوف “الجمعية المغربية للتضامن والتنمية”، في اتصال مع هسبريس، إلى ضرورة إسراع الجهات المعنية بـ”إخراج المراسيم التنظيمية التي تتيح تطبيق وتفعيل قانون جمع التبرعات وتوزيعها بشكل سليم يضمن استفادة الفئات المعوزة من ثماره في أقرب وقت، لاسيما في ظل الأزمة السوسيو-اقتصادية الحالية”.
وسجلت الفاعلة الجمعوية ذاتها تنظيم القانون لعمليات الإحسان العمومي “درءا لها من أي غايات مشبوهة”، مضيفة أنه “وجب تسريع المسطرة القانونية لدى الأمانة العامة للحكومة كي يرى النور ولا يظل حبيس رفوفها”.
جدير بالتذكير أن المشروع المذكور يُلزم الجمعيات بإيداع الأموال النقدية المتحصل عليها من العموم في حساب بنكي مخصص لهذه العملية، مع منع الاستمرار في تلقي التبرعات بالحساب البنكي المذكور خارج المدة المخصصة لجمع التبرعات.
كما يلزم المشروع الجهة التي دعت إلى التبرع بإخبار العموم، بأية وسيلة من الوسائل المتاحة، بما تحصل من عملية جمع التبرع، مع أحقية كل متبرع في الاطلاع لدى الجهة المرخص لها بجمع التبرعات على حصيلة العملية والتأكد من إنفاقها في الأغراض المخصصة لها، وكذا ضرورة احتفاظ الجهة المرخص لها بجمع التبرعات بالسجلات والوثائق والبيانات المالية المرتبطة بالعملية لمدة لا تقل عن خمس سنوات.