“التعليم في المغرب.. إلى أين؟”، سؤال أساسي تمحورت حوله الندوة الثقافية، التي نظمتها مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة، مساء الجمعة، بحضور فعاليات تربوية عديدة تطرقت إلى ماضي وحاضر ومستقبل المدرسة العمومية بالمغرب.
محمد الدريج، عضو المكتب التنفيذي لمؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة، قال إن “السؤال سالف الذكر يعكس الكثير من القلق والشك والخوف من المستقبل، وتتولد عنه استفهامات أساسية”، متسائلا “هل ستتمكن منظومتنا التعليمية، وبالتالي مجتمعنا، من التطور ومواكبة التحولات في مختلف المجالات والانخراط في الثورة الصناعية الرابعة الموسومة بالثورة الرقمية؟”.
وأضاف “يأتي ذلك بالنظر إلى ما يخفيه المستقبل عنا من تطور تكنولوجي هائل وتحديات متسارعة، تتوزع بين الحروب والنزاعات ومشكلات الطاقة والتصحر والأمن الغذائي والجوائح التي بدأت بعض القطاعات ببلادنا تنخرط فيها”، مشيرا إلى أن “هناك أمورا مهمة أنجزت وتنجز في قطاع التربية والتكوين”.
وتابع قائلا: “لدينا أكثر من 15 ألف مؤسسة تعليمية في السلكين الابتدائي والثانوي، تضم 7 ملايين تلميذ وتلميذة في القطاع العمومي، ومليون تلميذ وتلميذة في القطاع الخصوصي، وهو ما يحتاج إلى ميزانية كبيرة تستهلك حوالي ربع ميزانية الدولة، فضلا عما تصرفه الأسر لتعليم أبنائها”.
وأردف الفاعل عينه “أصبح تعليمنا العالي يتوفر على 30 جامعة، العمومية منها وشبه العمومية والخصوصية، حيث تضم الجامعات أزيد من مليون طالب وطالبة، ويلتحق بجامعاتنا ومدارسنا العليا ما بين 20 و25 ألف طالب وطالبة سنويا من مختلف دول العالم، خاصة من الدول الإفريقية”.
“ذلك دليل على قدر من الثقة في مستوى جودة هذه المؤسسات، لكن السؤال أين المشكل؟”، يتابع الدريج، قبل أن يسترسل قائلا: “في نظري، هي سلسلة من المشاكل، التي تفاقمت وتتفاقم مع مرور الوقت نتيجة التدبير السيئ لوزارة التربية الوطنية لحد الآن، إلى جانب أسباب أخرى”.
واستطرد “تنضاف إلى ذلك مشاكل أخرى تتعلق بالبراديغم التوافقي وتداخل السياسي في الزمن التربوي، مما أدى إلى فشل الإصلاحات المتعاقبة، وهي سلسلة من المشاكل المتراكمة نتيجة كبائر الأخطاء التي نميل إلى تجاهلها، وأصبحت تشكل دوائر مغلقة ومتاهات مفرغة تجعلنا نقلق على مستقبل تعليمنا؛ أهمها خلل في هندسة المنظومة وتدبير مكوناتها الأساسية”.
من جانبه، أبرز عبد الله الخياري، أستاذ باحث في سوسيولوجيا التربية بجامعة محمد الخامس، أن “السؤال ينبغي أن ينطلق من حدود الإصلاح في التقارير الاستراتيجية حول التعليم”. ومضى شارحا “في الحقيقة لا يستقيم السؤال حول أين يسير التعليم بالمغرب دون العودة ولو باقتضاب إلى المسار التاريخي للمنظومة التربوية بإنجازاتها وإخفاقاتها وسردية الإصلاحات المتتالية”.
وأضاف “لقد انشغلت النخبة المغربية منذ الاستقلال بمساءلة طبيعة النموذج التربوي المنشود وعلاقته بالمشروع المجتمعي وأيهما يؤسس للآخر، وهناك في نظري براديغمان يؤطران المسارات التاريخية، يتعلق الأول ببراديغم التدافع والتجاذب بين النخب السياسية، والبراديغم الثاني يتعلق بالتوافقات والتفاهمات لدى النخب نفسها التي تميل إلى إنتاج خطاب توفيقي قد يؤجل الخلافات أو يطمسها”.