تستعد الفرق البرلمانية بمجلس النواب للمناقشة التفصيلية لمشروع القانون 18.18 المتعلق بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، وذلك يوم الخميس المقبل، وبعدها سيتم تحديد آجال وضع تعديلاتها على القانون، بعد أن تم تقديمه الخميس من قبل وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة.
رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، قال في تصريح لهسبريس إن فريقه سجل بإيجاب المضامين الواردة في المشروع، خاصة ما يضمن سلامة عملية جمع التبرعات وتوزيعها وعدم استغلالها في أمور ليست هي أصل التبرع، مؤكدا على أهمية تخصيص مكانة خاصة للجمعيات.
واعتبر حموني أن “المقاربة الإحسانية ليست هي الأصل، وإنما نجاعة البرامج الاجتماعية الموجهة إلى مختلف فئات المجتمع، تفاديا لبروز حاجة لدى الأفراد للعمل الإحساني”، وأكد أن “المغرب بحاجة إلى ضبط الآليات الرامية إلى محاربة الإقصاء والحد من الفقر والهشاشة، وتحديد الإجراءات الهادفة إلى الإدماج الاجتماعي والتمكين الاقتصادي، للحد من الفقر والأسباب المؤدية إليه، بجانب ضبط التأطير المؤسساتي للتنمية الاجتماعية، وسجل المعطيات حول الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل”.
وزاد المتحدث ذاته أن “المدخل الأساس لتحقيق التنمية واستفادة المواطنين والمواطنات من خيرات النمو لا يمكن أن يتم إلا من خلال تفعيل الأدوار المنوطة بالمؤسسات الدستورية والجماعات الترابية، ومن خلال مختلف آليات التدخل الممكنة ذات الصلة في إطار سياسات عمومية مندمجة وفعالة”.
ويعتبر الفريق التقدمي هذا المشروع استثناء يؤطر فقط مرحلة انتقالية، “في أفق إرساء سياسات عمومية في مواجهة قضايا التنمية وقضايا الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي”، مؤكدا دعم هذه المبادرة التشريعية لإعادة تنظیم مجال جمع التبرعات وتوزيعها على المستحقين والمستهدفين منها.
تجاوز قصور النص الحالي
ومن جهته أكد فريق الأصالة والمعاصرة أن مشروع القانون المذكور “يأتي للقطع مع الأساليب القديمة والحديثة التي كانت في غالبيتها تستخدم تحت غطاء ‘الإحسان’، واستغلال حالات إنسانية لتحقيق أغراض شخصية هدفها الإثراء غير المشروع”. وفي هذا السياق استحضر محمد حجيرة، البرلماني عن الحزب ذاته، “الوقائع والحيل التي تستعمل في اتجاه خلق أحداث وهمية من أجل النصب على المواطنات والمواطنين”، مؤكدا أن “الأمثلة كثيرة ومتنوعة الأشكال، ومنها ما حدث في إقليم الصويرة سنة 2017، وواقعة الطفل ريان، وأخيرا واقعة شبهة الاتجار بالبشر التي طفت على السطح بمدينة الدار البيضاء”.
كما قال حجيرة إن “التضامن قيمة سلوكية ومسؤولية المجتمع بمختلف شرائحه، خصوصا أنه لا يمكن تجاهل بعض الحالات الإنسانية التي تحتاج إلى التآزر والتضامن لدرء الفقر والهشاشة قدر المستطاع”، وأكد أن “مشروع القانون يتوخى تجاوز مظاهر القصور التي اعترت القانون الحالي رقم 04.71، حيث كان لزاما إعادة النظر فيه بعد مرور خمسين سنة، إذ لم يعد يستجيب للتطلعات الجديدة ولا للتكنولوجيا الحديثة التي أصبحت تعتمدها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لدعوة العموم إلى التبرع”.
وشدد المتحدث ذاته على أهمية ما ورد في القانون “من حيث محاربة من يبتغون من وراء هذه الأعمال النصب والاحتيال أو استمالة المواطنات والمواطنين لأغراض ذاتية، إذ أقر المشرع مجموعة من الشروط لتنظيم عمليات التبرع من العموم، والمتمثلة أساسا في إخضاع جميع عمليات دعوة العموم إلى جمع التبرعات لمسطرة الترخيص المسبق لدى الإدارة، التي كنا نأمل من المشرع أن يفصح عنها بدل إحالتها على نص تنظيمي، كيفما كانت الوسيلة المستعملة في الدعوة؛ وكذا الحرص على أن يكون التبرع وجمع التبرعات وتوزيعها محاطا بكافة الضمانات منذ بداية العملية إلى نهايتها، حتى تمر العملية في أحسن الظروف وبشفافية تامة”.
ونوه البرلماني ذاته بمنح المتبرع الحق في الاطلاع لدى الجهات المرخص لها جمع التبرعات على حصيلة العملية، والتأكد من إنفاقها في الأغراض المخصصة لها، “ما من شأنه حماية أموال المتبرعين، ودفع المترددين منهم إلى المساهمة بكثافة عند طلب جمع التبرعات من العموم”، مشيرا إلى أن “الفريق اقترح في هذه النقطة مد المتبرع بتوصيل يضمن شفافية العملية، كما اقترح تخصيص منصة إلكترونية لتسهيل اطلاع المتبرعين على نتائج العملية من بدايتها إلى نهايتها”.
وسجل الفريق المذكور، وفق المصدر ذاته، بإيجاب المسطرة الجديدة التي يتعين الالتزام بها قبل توزيع المساعدات لأغراض خيرية، والمتمثلة في التصريح المسبق لدى عامل العمالة أو الإقليم المزمع توزيع المساعدات في دائرة نفوذه، عشرة أيام قبل تاريخ العملية و24 ساعة في حالة الاستعجال، مشيرا إلى أن “هذا يدل على حرص الدولة على تحسين أداء السلطات العمومية وباقي المتدخلين من مكونات المجتمع المدني، بغية ضمان تحقيق الأهداف والمرامي المنشودة في هذه المبادرات ذات الطابع الإنساني والتضامني”، ونوه بحرص مشروع القانون على تفعيل وسائل التتبع والمراقبة بشكل يحافظ على سير هذه العمليات، ويضمن عدم توجيهها لخدمة أهداف مشبوهة؛ “وذلك من خلال إلزام الجهة المنظمة لعملية جمع التبرعات من العموم بموافاة الإدارة بتقرير مفصل حول سير عملية جمع التبرعات، وكذا بجميع الوثائق والمعلومات التي تثبت تخصیص مجموع الأموال المتبرع بها للغرض أو للأغراض المعلنة”.
تحول رقمي
من جهته أشار إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي، إلى أن “الثورة الرقمية زادت من حدة ظاهرة استغلال التبرعات، إذ أصبح من هب ودب يقوم بجمع التبرعات وطلب الإحسان العمومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، مشيرا إلى أنه “بالإضافة إلى مراكمة الأموال، ورفع منسوب الرصيد الاجتماعي، أصبح الحصول على صفة ‘مؤثر’ الشغل الشاغل لهؤلاء، وهو ما يعد انتهاكا صارخا للقانون ولحقوق الآخرين”.
وأضاف السنتيسي أن “الإشكاليات والمعيقات المرتبطة أساسا بتدبير عملية الإحسان العمومي وجمع التبرعات تبين الحاجة الماسة إلى مراجعة المقتضيات القانونية للنصوص المؤطرة لهذا المجال، بما يحقق نوعا من الصدقية والحزم ونفاذ القانون”.
وشدد المتحدث ذاته على أن فريقه “سيسعى إلى تنقيح المشروع وفق منظور يتبنى منهجية المعارضة البناءة والمسؤولة في التعاطي مع مختلف القضايا التي تهم الشأن العام، ومقاربة قوامها إبداء الرأي بموضوعية وتجرد دون مزايدات سياسوية أو مفاهيم ديماغوجية”.
كما أكد السنتيسي على “حاجة المغرب إلى سن تشريع جديد لإعادة النظر في عملية جمع التبرعات من العموم، خاصة أن الإشكال المثار في القانون الحالي يرتبط بحصر الجهة المرخص لها القيام بالتماس الإحسان العمومي، والمتمثلة في الجمعيات، في حين أن الواقع والممارسة يؤكدان تنظيم العديد من التظاهرات والملتقيات جمع التبرعات من قبل أشخاص طبيعيين وبدون ترخيص، عبر استخدام مختلف وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الاتصال السمعي البصري، من إذاعات وقنوات تلفزية لفائدة حالات إنسانية تعاني من مشاكل صحية أو اجتماعية، دون الرجوع إلى المقتضيات القانونية المنظمة في هذا الشأن”.