استمرت أشغال الملتقى الدولي المتعلق بمنظومة الحماية الاجتماعية، الذي احتضنه قصر المؤتمرات بالصخيرات على مدار يومَين، تحت شعار “الحماية الاجتماعية: ورش ملكي”، بانعقاد الجلسة النقاشية الثالثة الموسومة بعنوان: “تعميم الاستفادة من أنظمة التقاعد.. من أجل عدالة بين الأجيال”.
منصة الجلسة الثالثة، التي قام بتسيير أطوار نقاشها خالد الشدادي، المدير العام للصندوق المهني المغربي للتقاعد (CIMR)، جمعت شخصيات بارزة وطنيا ودوليا، يتقدمها يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، ومدير الصندوق المغربي للتقاعد، لطفي بوجندار، وخبراء اقتصاديون بالبنك الدولي، فضلا عن مسؤولين فرنسيين بأنظمة الضمان الاجتماعي والتقاعد.
السكوري: هذه أولويات إصلاح التقاعد بالمغرب
أولى المداخلات جاءت على لسان الوزير يونس السكوري، الذي تحدث عن نشوء “مسألة التقاعد من الناحية التقنية في ظل قيود العجز المالي واستدامة أنظمة التقاعد بالمغرب، مع وجود بواعث فورية تفرض نفسها”، قبل أن يلفت إلى أن “مشكلة التقاعد ليست مقتصرة على المغرب فقط، بل تعاني منها عدة بلدان”.
وتابع السكوري، في معرض حديثه بملتقى الحماية الاجتماعية مساء الأربعاء 27 يوليوز، بأن “أيَّ إصلاح للتقاعد من الطبيعي أن يولّد توترات اجتماعية”، وزاد شارحا: “لأنه ينطوي على قضايا إشكالية مالية وميزانياتية تكافح الحكومات بالفعل لمعالجتها خارج التقاعد”.
واعتبر المسؤول الحكومي عن الإدماج الاقتصادي أن “التقاعد رهان مجتمعي كبير؛ فهو ذو معنى للعنصر البشري العامل طيلة مسار مهني”، مثيرا انتباه الحاضرين إلى أنه “لا يتم إصلاح المعاشات من طرف الحكومة وحدها، بل يتم ذلك مع الشركاء الاجتماعيين في حوار ثلاثي الأطراف يلتقي فيه القطاعان العام والخاص”.
وكشف الوزير ذاته، في تصريح خَص به هسبريس بالمناسبة، عن أولويات حكومة أخنوش لاستكمال مسار إصلاح أنظمة التقاعد خلال الأعوام القادمة، قائلا إنه سيتم بشكل تدريجي من خلال “توسيع قاعدة إيرادات واشتراكات العمال والأجراء، أما الذين لا يملكون إمكانيات للمساهمة فسيتم اللجوء إلى نهج تضامني معهم”.
وشدد السكوري، أيضاً، على ضرورة “معالجة القطاع غير المهيكل بالمغرب، ما يعني الاعتراف الجماعي بإمكانياته ومؤهلاته في ما له علاقة بورش التقاعد من خلال تعميم التغطية الاجتماعية”، لافتا إلى أن ذلك يدعونا إلى “الحديث عن الإدماج الاقتصادي بشكل عام وأشمل، وليس التقاعد فقط كنتيجة”، ومؤكدا أن “الإصلاح الضريبي يُرسي جسور الثقة”.
وإلى جانب العمل التقني (من أجل تحقيق مساهمات مالية ومداخيل جيدة)، يضيف الوزير أن “هناك إجراء لتوسيع قاعدة المشتركين والمنخرطين في المعاش يتلاءم مع مبادرات ملموسة في إطار توجهات حكومية للسياسات العمومية”.
وخلص السكوري، ضمن تصريحه، إلى أن الحكومة تُعد “حزمة إجراءات تمس المقاولات الصغرى والصغيرة جدا والمقاول الذاتي…”، وزاد: “سنعمل في غضون 6 أشهر المقبلة على إخراج مراسيم تُنظم هذه الخدمات التي شملها أيضا ميثاق الاستثمار الجديد، بعد الاتفاق والتشاور مع النقابات وطرحها للنقاش في الحوار الاجتماعي (دورة شتنبر 2022)”، مشيرا إلى أن “القطاع غير المهيكل سيخضع لإجراءات تحفيزية تشجعه على الاندماج في منظومة المعاشات”.
التقاعد.. سيناريوهات الإصلاح
بدورها، تحدثت فوزية زعبول، مفتشة المالية مديرة الخزينة والمالية الخارجية في وزارة الاقتصاد، باقتضاب عن أبرز “محطات الإصلاح” الذي شهدته أنظمة التقاعد والمعاشات بالمغرب، لافتة إلى أن “لجنة القيادة لإصلاح أنظمة التقاعد والاحتياط الاجتماعي كُلّفت من الحكومة حينها في 2016 بإنجاز دراسة تقنية شاملة عن سيناريوهات إصلاح التقاعد”؛ ما استدعى وقت إنجاز امتد من 2019 إلى 2021، مع استحضار التوقف الذي شكلته أزمة كورونا.
وأضافت زعبول، العارفة بالملف عن قُرب، أن الدراسة المنجزة أفرزت معطيات دقيقة سيتم الأخذ بنتائجها في ضوء “توجيهات اللجنة الوطنية لإصلاح التقاعد”، التي عبرت عن “طموح اجتماعي يلزمه توفير وتعبئة موارد مالية باعتماد التضامن أو المساهمات المباشرة”.
تغطية التقاعد تصل 48%
وفي كلمة له، باعتبار الصندوق المغربي للتقاعد الفاعل الأول في تدبير منظومة المعاشات العسكرية والمدنية، استهل لطفي بوجندار، مدير الـ”CMR”، حديثه بالتنبيه إلى “مسألة فعالية وفاعلية واستدامة أنظمة التقاعد والمَعاش بالمملكة”، منبها إلى “غياب إطار موحّد ومفاهيمي لأنظمة التقاعد”، قبل أن يستدرك بأن المنظومة المغربية للتقاعد تتسم بـ”تطور وتعددية المؤسسات التدبيرية المتدخلة، وكذا تعدد أنواع الحكامة؛ فضلا عن تنوع الخدمات”.
وأثار بوجندار إشكالية “بطء تطور تغطية المعاشات للساكنة النشيطة العاملة، إذ كانت 20% بالمائة في التسعينيات، لتصل حاليا إلى 48 بالمائة عبر جميع الأنظمة وصناديقها الحالية”، خالصا إلى “تشكل وعي جماعي بضرورة توحيد أنظمة التقاعد ومباشرة الدولة إصلاحات مستعجلة في هذا الصدد”.
يشار إلى أن فعاليات الجلسة الثالثة اختُتمت بفتح المجال أمام سلسلة من الأسئلة التي طرحها الحاضرون وأجوبة المنصة عنها، قبل أن تتلوها جلسة رابعة تناولت “روافع المواكبة التي تصاحب الحماية الاجتماعية”.