تطلع إلى صيانة جزء من الذاكرة الوطنية، لا يخلو من آراء حول تأخر المبادرة، يحضر في إطلاق الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة (SNRT) طلبات عروض لرقمنة أرشيفها التلفزيوني.
هذا الأرشيف يتضمن ثروة من التاريخ السمعي البصري السياسي والديني والفني والثقافي والاجتماعي للمغرب، منذ تأسيس التلفزيون بالمملكة، مطلع ستينيات القرن الماضي.
تأتي هذه الخطوة بعدما بدأ الحديث رسميا عن انطلاق مشروع رقمنة الذاكرة والأرشيف السمعي البصري في سنتي 2012 و2013، مع تجدد إثارته في محطات؛ من بينها حريق الشركة سنة 2016، الذي قال عقبه مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة آنذاك، إن “الذاكرة الوطنية المحفوظة في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة لم تضع”.
وعبر السنوات، تكررت مخاوف من تضرر الأرشيف، ومعه جزء من الذاكرة السمعية البصرية المغربية، بسبب تسربات مائية أو حرائق أو إهمال أو استعمالات شخصية.
عبد الوهاب العلالي، أستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، قال إن هذه المبادرة تستحق التحية؛ لأنها “نوع من إعادة الاعتبار للتراث السمعي البصري المغربي، وهي تصحيح لمسار العناية بالإنتاج فقط دونَ التفكير باللحظة اللاحقة وهي الصيانة وإعادة الإنتاج والأرشيف”.
وأضاف العلالي في تصريح لـ هسبريس: “يأتي هنا مسلسل الرقمنة كإجراء ضروري تأخرنا فيه كثيرا، وربما نتجت عنه خسائر كبيرة جدا، في جزء كبير من التراث السمعي البصري من موسيقى وأغانٍ وإنتاجات درامية وأفلام ونشرات إخبارية وروبورتاجات… في فترات سابقة”.
وتابع المصرح: “كنتُ شاهد عيان في فترات سابقة، قبل 15 أو 20 سنة، عندما كنت أزور إدارة التلفزيون المغربي لاهتمامات بالأرشيف لتحضير ندوات، وعندما كنت ألتقي بالمشرفين كنتُ أتأسف كثيرا للظروف التي كان عليها الأرشيف، حيث التكدس دون معرفة المحتويات، والأشخاص المشرفون عليه معدودون على رؤوس الأصابع، وإذا غاب مسؤولٌ قد تبقى محتويات الأشرطة السمعية البصرية مجهولة إلى أن يحضر”.
لذلك، واصل الأستاذ بمعهد الإعلام في الرباط: “أقول إن في هذه المبادرة إعادة اعتبار لجانب التراث السمعي البصري. وفي عالمنا المعاصر نعيش في عصر الصناعات الإبداعية التي تتطلب شروطا مهمة؛ من بينها الاهتمام بمؤسسة الإنتاج، مع الاهتمام بالمضامين وجودتها، والتوزيع، وتحديد الجمهور المستهدف بالرسائل مع الاهتمام بالصيانة وإعادة التوزيع والإنتاج؛ فمرحلة الصيانة مهمة جدا في الصناعات الإبداعية”.
ثم استرسل شارحا: “الصيانة مهمة جدا لأن المواد المنتجة قد نعود إليها كمرجع لاستخدامها في أعمال إبداعية جديدة (…) والرقمنة خطوة إيجابية تسمح ليس فقط بالتوثيق ومعرفة المحتويات واستغلالها في البحث العلمي، بل أيضا لاستغلالها كجزء من الصناعات الإبداعية يمكن أن تكون لها مردودية عالية”.
وعلى الرغم من هذا “المكسب” بتعبير عبد الوهاب العلالي، فإن “الطموح أكبر”، بالاستفادة من تجارب دولية أسست “مركزا وطنيا للتوثيق السمعي البصري، مثل المكتبة الوطنية بالمغرب المتخصصة في كل ما هو مكتوب، مع اهتمام طفيف بالسمعي البصري؛ فتكون لنا مكتبة وطنية للسمعي البصري، نجد فيها الأرشيف المرئي للمغرب كاملا، وسيكون في هذا إثراء للرأسمال الرمزي لبلادنا، ونحن في عصر العولمة الذي يجعل من الممكن تقاسم وتبادل الخيرات اللامادية وتسويقها خارج زمن إنتاجها، وخارج فضاء إنتاجها، ويتيح لأي أحد عبر العالم، وفق إجراءات معينة، التعرف على الإنتاج السمعي البصري المغربي”.