قال المنتج والمخرج محمد فاضل الشيخ ماء العينين والكاتب الصحافي والمنتج رشيد البلغيتي إنه “كلما كشفت لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية عن قائمة مشاريع الأفلام التي ستستفيد من تسبيقات في إطار فئة الأفلام الوثائقية حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني إلا وكثرت الاحتجاجات وسرت الشائعات حول حقيقة المعايير المعتمدة في اختيار مشاريع الأفلام”.
وأضاف ماء العينين والبلغيتي، في مقال بعنوان “من أجل مناظرة وطنية حول الفيلم الصحراوي الحساني”، أن “البدايات كانت سارة مع ما أظهره الأعضاء الأولون للجان دعم إنتاج الأعمال السينمائية في المغرب من نزاهة في دراسة مشاريع الأفلام الوثائقية حول الصحراء”؛ غير أن “مياها جرت تحت جسر اللجان، وبدأت تظهر في الساحة أعمال وثائقية لا تحمل من صفات التوثيق سوى الاسم”.
وبعد طرح مجموعة من الأسئلة حول دعم الأفلام الصحراوية الحسانية، أشار المقال إلى أن “هذه الأسئلة وغيرها لن يتم الجواب عنها إلا عبر مناظرة وطنية تنظم في الداخلة أو العيون، بإشراف من المؤسسات العمومية المعنية، وبحضور مختلف التنظيمات المهنية والمثقفين العارفين بالمجال؛ ندوة تضع نصب أعينها تثمين الرصيد الثقافي والفني في مغرب منفتح ومتعدد وتنهض بالشأن السينمائي في الصحراء والعاملين فيه”.
هذا نص المقال:
كلما كشفت لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية عن قائمة مشاريع الأفلام التي ستستفيد من تسبيقات في إطار فئة الأفلام الوثائقية حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني إلا وكثرت الاحتجاجات وسرت الشائعات حول حقيقة المعايير المعتمدة في اختيار مشاريع الأفلام:
هل تختار الأفلام لذاتها؟ لجودة نصوصها؟ وتماسك الرؤية عند مخرجيها؟ أم لأسباب أخرى بعيدة عن المعلن في دفاتر التحملات؟
كثُر النقد في السنوات الأخيرة. وللدقة، فالغضب زاد في السنتين الماضيتين بشكل يبعث على السؤال.
شكلت لجان دعم إنتاج الأعمال السينمائية في المغرب نموذجا متفردا من، حيث تنوع تجارب أعضائها والمسارات الاستثنائية لرئيساتها ورؤسائها واستقلالية قراراتها. كان عدد من المهنيين والمهتمين يشعرون وكأن إرادة ما تريد إرسال رسالة تقول “إن في هذا البلد نساء ورجالا لهم من النزاهة والتجرد ما يجعلهم قادرين على مكافأة الاجتهاد، على الرغم من كل المآخذ”.
معلوم أن تشكيل اللجنة يأتي انسجاما مع مقتضيات القرار المشترك بين الوزير الوصي على قطاع الاتصال والوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، بتحديد شروط ومعايير وطرق صرف دعم إنتاج الأعمال السينمائية، بحيث ينص على أن اللجنة تتكون من 11 عضوا؛ من بينهم أربعة أعضاء ينتمون إلى عالم الثقافة والفن ولهم صلة وطيدة بميدان السينما، وثلاثة أعضاء من ذوي الكفاءات الضرورية لتقييم ميزانية الفيلم الذي تم انتقاؤه، يتم اختيارهم من بين المهنيين، وأربعة أعضاء يمثلون كلا من الوزارة المكلفة بالاتصال والوزارة المكلفة بالمالية والوزارة المكلفة بالثقافة والمركز السينمائي المغربي.
جرى عرف يقضي بتعيين صحراوي واحد ضمن أعضاء اللجنة، والهدف هو أن يكون للعضو من الدراية والأهلية ما يجعله قادرا على الحكم على مشاريع الأفلام في شقها المرتبط بالثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني. كان دور العضو الصحراوي أنثروبولوجيا بالأساس؛ لأن داخل اللجنة، عادة، مخرجين وخبراء ماليين لهم من الكفايات ما يجعلهم قادرين على التقييم التقني والمالي بغض النظر عن موضوع الفيلم.
لقد كانت البدايات سارة مع ما أظهره الأعضاء الأولون من نزاهة في دراسة مشاريع الأفلام الوثائقية حول الصحراء. كان النقاش مع أصحاب المشاريع، أمام اللجان، يمتد إلى ساعة من الزمان، أحيانا، بحضور كاتب (ة) السيناريو والمخرج (ة) والمنتج (ة). كانت المرافعات حقيقية وغنية ومنتجة يسهل معها التمييز بين الغث والسمين وفرز الثمين وسط ما يأتي به حملة المشاريع القادمة من الصحراء أو الذاهبة إليها. فليس كل من جاء من الصحراء “ولد عمك يا الزهره”! كما يقول المثل.
غير أن مياها جرت تحت جسر اللجان. وبدأت تظهر في الساحة أعمال “وثائقية” لا تحمل من صفات التوثيق سوى الاسم _دون التنكر لفلتات إبداعية شكلت الاستثناء الذي يزكي القاعدة_ وبدا جليا أن هذه الأعمال الرديئة لم تكن إلا نتيجة طبيعة لدخول معايير جديدة وغريبة، غير معلنة، في الانتقاء.
بعض اللجان كانت تترك للعضو الصحراوي وحده مسؤولية تقييم مشاريع الأفلام المرتبطة بالصحراء. كان بعضهم يهاب هذه المسؤولية الجسيمة، فينكب على قراءة النصوص بعمق ويوسع المشورة في المجالات التي لا يملك خبرة فيها، فيحكم على مشاريع الأفلام بضمير. وأحكام الضمير مقبولة حتى وإن شابها الخطأ.
غير أن التطورات في السنوات الأخيرة أظهرت أن عملية تقييم الأفلام تحتاج إلى حكامة وتحصين عبر إضافة عضو (ة) صحراوي ثان إلى اللجنة، ليس من أجل إغناء وجهات النظر حول المشاريع المقدمة وفقط؛ بل درءًا للشبهة بعد الشائعات التي سرت وسط المهنيين إثر استقالة عضوين من لجنتين، أو دفعهما إلى الاستقالة، في السنوات الثلاث الماضية.
لقد واكبنا تجربة دعم الفيلم الوثائقي حول المجال والثقافة والتاريخ الصحراوي الحساني، منذ بداياتها الأولى سنة 2015. كما كان لنا شرف المساهمة في إنجاز فيلمين، بشكل منفرد، في إطار هذا الدعم؛ إما عبر المساهمة في الكتابة، أو الإنتاج أو الإخراج. ولعل القرب من هذه التجربة وفهمنا لقيمتها هو ما يدفعنا اليوم إلى طرح الأسئلة التالية:
ما الذي نريده من دعم الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني؟
وهل للدعم حدود جغرافية أو لسنية؟ أو هما معا؟
هل واد نون ودرعة وموريتانيا وشمال مالي والتشاد والنيجر… تدخل ضمن المجال الصحراوي الحساني؟ هل يمكن للمبدعين الاشتغال على المشترك بين الداخلة ونواذيبو مثلا؟
أي معايير نعتمدها لاختيار “مندوبي الصحراء” داخل لجان الدعم في الرباط؟
وهل يخدم هذا الدعم، وفق فلسفته اليوم، الصحراء بوصفها فضاء وموضوعا للقاء والانفتاح أم يحولها إلى غيتو هوياتي وربما مصدر ريع جديد حجت إليه نخب انتهازية لا يربطها رابط بالسينما؟
ما السبيل إلى دعم الشفافية في المجال؟
هذه الأسئلة وغيرها لن يتم الجواب عنها إلا عبر مناظرة وطنية، تنظم في الداخلة أو العيون، بإشراف من المؤسسات العمومية المعنية وبحضور مختلف التنظيمات المهنية والمثقفين العارفين بالمجال؛ ندوة تضع نصب أعينها تثمين الرصيد الثقافي والفني في مغرب منفتح ومتعدد وتنهض بالشأن السينمائي في الصحراء والعاملين فيه، والتشاور مع كل المعنيين لإخراج مخطط دقيق قابل للتطبيق هدفه تأهيل القطاع وتطويره، بتطوير آليات الدعم والرعاية للإنتاجات والمبادرات والتظاهرات السينمائية.
يعلم الله أن قصدنا من وراء هذا الدعوة “أبيظ من دراعة ولد فنده”. والله من وراء القصد.