جهة درعة تافيلالت من الجهات الجديدة المحدثة وفق التقسيم الجهوي الأخير الذي عرفته المملكة المغربية سنة 2015، حيث تم تقليص عدد الجهات من 16 إلى 12، وذلك في إطار الجهوية واللامركزية المعتمدتين من طرف المغرب.
وتتشكل هذه الجهة الفقيرة تنمويا الغنية بثرواتها من خمسة أقاليم، هي الرشيدية وميدلت، وهما إقليمان كانا تابعين لجهة تافيلالت مكناس قبل سنة 2015، وتنغير وورزازات وزاكورة، وهي أقاليم كانت تابعة لجهة سوس ماسة درعة.
وتتمتع هذه الجهة “الغنية الفقيرة” بموقع جغرافي حدودي مهم على الضفة الشرقية للمغرب، وبمناخ صحراوي شبه قاحل، وتعتبر من الجهات الزراعية الرائدة في الزراعات التي تلائم مناخها القاسي، خاصة التمور، وهي معروفة بالسياحة السينمائية والسياحة الطبية الطبيعية، وتحدها خمس جهات مع شريط طويل من الحدود المغربية الجزائرية.
تتوفر جهة درعة تافيلالت على إمكانيات مهمة تمكنها من تحقيق مشاريع تنموية كبرى ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن ذلك يبقى بعيد المنال ما لم تتضافر جهود جميع الجهات، من إدارات عمومية ومصالح مركزية ومجالس منتخبة، بحسب تصريحات متطابقة أدلى بها العديد من أبناء الجهة لهسبريس.
النسيان والتهميش
“موقعها الجغرافي (وجودها على أطول شريط حدودي بين المغرب والجزائر) وكونها مهد الدولة العلوية حيث قبر مولاي علي الشريف، لم يشفعا لهذه الجهة لتنعم بمشاريع تنموية، رغم توجيهات الملك الرامية إلى توزيع التنمية بشكل عادل ومتساو بين الجهات والمناطق”، يقول ميمون أوجابر، من ساكنة مدينة أرفود.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “الوضع الذي تعيشه الجهة بسبب الركود التنموي والاقتصادي، سيساهم في استمرار تعميق بؤس وشقاء الساكنة المحلية المتعطشة للتنمية وتحريك الاقتصاد المحلي وتوفير فرص الشغل للشباب الذين يتزايد عدد المعطلين وسطهم كل سنة”.
بدورها، صرحت حكيمة آيت الوالي، من ساكنة الريصاني، بأن هذه الجهة “منسية ومهمشة في جميع المجالات، ومقصية من برامج الطرق والبرامج تنموية”، مضيفة: “يجب تغيير اسمها إلى: مقبرة جماعية، لأن ناسها ماتوا بسبب طول الانتظار رغم أنهم يتحركون ويتنفسون”، وفق تعبيرها.
وتابعت المتحدثة ذاتها، في تصريح لهسبريس، بأن “النسيان والتهميش هما العنوان العريض للمشاكل التي تتخبط فيها هذه الجهة التي لم تعرف أي حركة تنموية منذ نشأتها، وفي السنة الأخيرة تمت فرملة المشاريع التي كانت ستخرج إلى الوجود”.
من جهته، شدد رئيس جماعة ترابية بجهة درعة تافيلالت، طلب عدم الكشف عن هويته، على أن “الجهة لن تتغير إلا بوجود إرادة التغيير والاشتغال لدى القائمين على تدبير الشأن الجهوي والمحلي”، موردا أن “الكثير من الذين يسيرون الجماعات الترابية بالجهة لديهم فكرة الربح المادي الشخصي، وأغلبهم بعيدون كل البعد عن تحقيق المصلحة العامة”، على حد تعبيره.
وأضاف أن “الاسم الذي يليق بهذه الجهة، هو: جهةُ همّشَ ونَسى”، معتبرا أن “المواطنين بدورهم غير واعين بما لهم وما عليهم، لذلك هناك جهات تريد دائما إقبار صوت الجهة وصوت كل من يطالب برفع التهميش والإقصاء عنها”، مشيرا إلى أن “هذه الجهة ليست فقط فقيرة تنمويا واجتماعيا واقتصاديا، بل أيضا جمعويا وإعلاميا”.
عزلة طرقية وجوية
تعتبر جهة درعة تافيلالت من الجهات الوطنية التي تفتقر إلى السكك الحديدية والطريق السيار وحتى الطريق السريع، بينما النقل الجوي بدوره محدود وطنيا، وذلك ما يجعلها معزولة عن الخارج، وفق تصريحات متطابقة لعدد من الفاعلين الجمعويين والسياسيين بالجهة.
وفي تعليقه على موضوع العزلة الطرقية والجوية لهذه الجهة، قال حسن بوهوش، فاعل سياسي بإقليم تنغير: “في مجال الطيران، أو النقل الجوي، فإن المقارنة بين الولاية السابقة والحالية تبين وجود حركة ملاحية متميزة وخطوط متعددة وأثمنة تنافسية؛ فهناك رحلات بين الدار البيضاء وورزازات وزاكورة شبه يومية، وهناك رحلات بين فاس والراشيدية والدار البيضاء والراشيدية، وبين مراكش وورزازات وزاكورة”.
وأضاف بوهوش، في تصريح لهسبريس، أنه “في الولاية الحالية نجد خطا جويا منتظما بين الدار البيضاء والراشيدية، وباقي الخطوط تعرف ارتباكا ورحلات غير منتظمة، بالإضافة إلى غياب أي إشارة إلى رحلات بين الجهات المحيطة بدرعة تافيلالت، سواء جهة مراكش أسفي، أو جهة سوس ماسة، أو جهة كلميم واد نون، أو جهة بني ملال خنيفرة، والشيء نفسه ينطبق على الطرق، باستثناء الطريق السريع مكناس-الريصاني ونفق الحوز-ورزازات”.
وأردف المتحدث ذاته بأن “برنامج التنمية الجهوي تحدث على تأهيل باقي الطرق الرابطة بين الجهة والجهات المحيطة بها، مما يبين الرغبة في تنمية مناطق معينة دون أخرى، وتطوير مناطق وأقاليم في الجهة دون أخرى”، وأعطى المثل على ذلك بـ”عدم الحديث عن طريق وطنية تربط تادلة وزاكورة عبر تنغير، ولا عن طريق سريع بين تارودانت وورزازات” .
من جهته، كشف يوسف أوزكيط، نائب رئيس مجلس جهة درعة تافيلالت، أن برنامج التنمية الجهوية المصادق عليه في شهر مارس الماضي، “يتضمن مشاريع طرقية مهمة، خاصة الطريق السريع بين مكناس والريصاني، وغيره من الطرق التي ستمكن من فك العزلة عن الجهة وتربطها بجهات المغرب”.
وقال أزكيط إن “المجلس الحالي لم تمض بعد سنة على انتخابه، وبالتالي لا يمكن محاسبته”، مضيفا أن “المجلس، بالإجماع، سيعمل من أجل تحقيق انتظارات الساكنة، سواء تعلق الأمر بالطرق والطيران أو المشاريع التنموية والاجتماعية والاقتصادية”، داعيا المواطنين إلى “وضع يدهم في يد المجلس للوصول إلى الهدف وتحقيق المبتغى”، وفق تعبيره.
وأشار المتحدث لهسبريس إلى أن “رئيس الجهة، وبتنسيق مع السلطات الإدارية وباقي مكونات المجلس الجهوي، يعمل من أجل توزيع المشاريع والميزانية بين جميع الأقاليم بالتساوي لضمان العدالة المجالية، ويرفض دائما توزيعها بمنطق السياسة، أي تصفية حسابات سياسية على حساب مصالح المواطنين”.
وكشف أزكيط أن “الجهة خصصت لمجال فك العزلة 850 مليون درهم (85 مليار سنتيم)، وساهمت في مجال التعليم بـ50 مليون درهم (تسليمها للمجالس الإقليمية) لشراء أسطول النقل المدرسي بالجهة، و20 مليون درهم خصصت من برنامج التنمية الجهوية لقطاع الماء الصالح للشرب، وساهم المجلس بـ120 مليون درهم في البرنامج الاستعجالي الحالي للماء، وتوقيع اتفاقية محاربة الحرائق (تنمية الواحات)”.
زيارة ملكية لنفض غبار التهميش
ومن أجل رفع التهميش والإقصاء على جهة درعة تافيلالت، طالب عدد من الجمعويين بالجهة بزيارة ملكية، مؤكدين أن زيارة الملك محمد السادس قادرة على تحريك المياه الراكدة في هذه الجهة التي وصفوها بـ”المقبرة الجماعية”، و”المهمشة” اجتماعيا واقتصاديا.
والتمس هؤلاء الجمعويون، في تصريحات متطابقة لهسبريس، من الملك محمد السادس القيام بزيارة عاجلة “للوقوف على واقع الجهة الذي لا يعكس التنمية التي يطالب بها”، موضحين أن الجهة تعرف مشاريع ضخمة على الأوراق لكنها في الواقع لم تعرف أي حركة تنموية منذ إحداثها إلى اليوم.