أريفينوا
عندما نتابع ونشاهد عملية تحرير الملك العمومي التي تقوم به السلطة المحلية “بالناظو” بواسطة أعوانها والمركبات والآليات المسخرة لفائدتها، يحيل الأمر على مفاهيم دستورية تارة، وقانونية تارة أخرى بل واجتماعية إنسانية من ناحية أخرى، وكما يستشف من مقتضيات القوانين ذات الصلة، أنه يجب على السلطات المحلية في شخص “القياد” إنذار المخالف وإمهاله أجلا معقولا وإفساح المجال لإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أو إجراء الحوار والتفاوض لإفراز حل رضائي سلمي متحضر، في إطار الحفاظ على السلم والأمن واستقرار المعاملات دون ضرر ولا ضرار.
وذلك لاضطلاع السلطة بالمسؤولية لوصول الحالة على ما هي عليها الآن، وفقا لسؤال، كيف وصل الأمر إلى هذا الحد ليخلق وضعية غير مشروعة تؤدي إلى الأمر لتحرير الملك العمومي بشكل غير منظم وغير مقبول من الناحية الاجتماعية؟.
إن مشاهدة الواقعة بتفاصيلها من حضور الحشد والمباغتة وإحضار العتاد والعباد لتنفيذ عملية “التحرير” توحي في شكلها أنها محاطة بالارتياب وعدم الاطمئنان للفعل نفسه، ثم الشعور بعدم الرضا، لأن كل هذا مبني أساسا على خطأ من جانب الإدارة أصلا.
مما يجعل المفهوم الدستوري لدولة الحق والقانون يتناقض والقيام بالعملية جراء المييز الذي تحضا به العملية في غياب تنزيل إطارا قانونيا يجعل من عملية التنفيذ شرعية، تطمئن لها النفوس ويستسلم لها المنفذ عليه ويطمئن لها المجتمع، وهذا بعكس عملية تحرير الملك العمومي بالناظور الذي تنعدم فيها غالبا الضمانات المذكورة، بل وتسيطر عليه المفاهيم السلبية التي لا تعدو أن تكون وجها سلبيا للإدارة الترابية في هذه الفترة الزمنية بالذات.
فمهما بلغ الأمر من حدة وتأثير، فإن ضبط النفس هو سيد الميدان، إذ أن إعمال سلطان القانون هو الملجأ والحل الوحيد لفك المفاهيم السلبية عن العملية ، لأن آثارها مستمرة ووقعها قوي يصاحبه الضرر المادي والمعنوي ويلحق بأطراف العملية سواء كان المعني بالأمر أم لا.
إن تحرير الملك العمومي الممارس عنوة وبشكل فجائي في غياب تأطير قانوني يجعل المعني بالأمر “ضحية” تارة ومظلوما تارة أخرى في جميع الحالات التي تباشر فيها العملية بالطريقة المعتادة من قبل بعض رجال السلطة المحليين، تنفيذا لتعليمات شفوية يغيب فيها المنطق أحيانا، وتغيب عنها الحكمة والإنسانية أحيانا أخرى.
فعلى فرض ارتكاب المواطن خطأ ما بتجاوزه الحد القانوني لاحتلال الملك العمومي أو غياب الترخيص لذلك أصلا، فإن الحكمة والإنسانية تقتضيان أولا سلوك المسطرة القانونية لطرد محتل، شأن الإدارة المحلية في هذا كشأن المواطن لتحرير ملكه، وذلك في إطار سواسيتهما أمام القانون، إذ أن القضاء هو ملجأهما أخيرا ليعطي كلمته وتكون أحكامه عنوانا للحقيقة ولا يلام أحد حينئذ.
أما الاستنكاف عن سلوك مسطرة قانونية تغيب فيها حقوق المواطن في الدفاع عن نفسه وعن منقولاته تحت ذريعة الخطأ، رغم أن الإدارة بنفسها ترتكب الأخطاء والقانون نفسه يرتب المسؤولية الإدارية لموظفي الدولة، فإن ذلك يعتبر ظلما اجتماعيا بكل المقاييس.
ولنترك هذا جانب، وننظر أين كانت الإدارة، أي السلطة الإدارية والمحلية عند احتلال الملك العمومي بواسطة ذلك المواطن (التاجر النظامي أو البائع المتجول)، بل واشتغاله بمرور الزمن، وتارة اطمئنانه لسنوات من الاستثمار في ذلك الملك العمومي وأمام أنظار تلك المؤسسات، ليتفاجأ يوما بتنفيذ عشوائي لتحرير أو لهدم ما شيده طوال مدة من الزمن أمام وبحضور الجميع.
فالمنطق يقتضي المنع والتصدي لذلك وفي إبانه، وترتيب الجزاء القانوني، عندما يكون له محل، أمام وأن يترك المخالف ردحا من الزمن، واكتسابه ثقة الآخرين زبناء كانوا أو مرتادين بل ونشوء التزامات صادرة عنه إزاء المتعاملين معه بفضل هذه الواقعة الظاهرة تجعل منه “صاحب حق ظاهر” لا تجوز معه الاستعانة بعنصر المفاجأة ولا الانتقام منه بتلك الطريقة المعروفة لأن الأمر تطور بشكل لا يمكن معه الاحتكام إلى العنف أو ردة فعل غير مشروعة، وذلك لعدة اعتبارات، منها ما ذكر أعلاه ومنها ما تولد عن الظاهرة عبر الزمن الذي كانت فيه الإدارة غائبة أو مغيبة.
https://youtu.be/cBuIuxS7zo0إن سلوك المسطرة القضائية تجاه المخالف أو التحاور معه بإجراء الوساطة والتحكيم عبر الآليات المتاحة، يفرزان على الأقل حالة صحية اجتماعية ويكرسان مفهوم دولة الحق والقانون هذه الأخيرة التي تقتلها تصرفات عوجاء لبعض نساء ورجال السلطة الذين يتناسون أن شرارة الفتنة قد تنطلق من تصرف ارعن أو غير مسؤول ناتج عن النشوة بالسلطة الزائفة. “الفتنة نائمة نعل الله من أنقذها”
