في تصريح أثار انتباه الأوساط السياسية، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، المعين من قِبل المؤسسة العسكرية الجزائرية، على أهمية “التوافق التام على استعادة الاستقرار في المنطقة”، معتبراً أن تحقيق هذا الهدف يتطلب الابتعاد عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وعدم محاولة التآمر أو إذكاء الفتن بين الدول.
وجاء هذا التصريح ليعكس رؤية السيسي حول الاستقرار الإقليمي، لكنّه حمل أيضاً رسائل مبطنة قد تشير إلى مسؤولية الجزائر في بعض التوترات التي تشهدها المنطقة، بما فيها دعم جبهة البوليساريو لاستهداف الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
وفسر العديد من المتتبعين إشارة السيسي إلى “التوافق التام على أهمية استعادة الاستقرار في المنطقة” كدعوة صريحة لتحمل المسؤولية في دعم الاستقرار، الأمر الذي بدا وكأنه يوجه انتقادًا للجزائر لاتهامها بممارسة أدوار تزعزع هذا الاستقرار.
ومن المعروف أن الجزائر دعمت جبهة البوليساريو التي تهدد الوحدة الترابية للمملكة المغربية، حيث عملت على استقدام عناصر من الحرس الثوري الإيراني وعناصر من حزب الله اللبناني لتدريب مقاتلي البوليساريو.
وإلى جانب ذلك، أشارت تقارير سابقة إلى أن الجزائر سهّلت دخول مرتزقة من مجموعة “فاغنر” إلى مالي قبل الانقلاب عليها مما أدى إلى توتر العلاقات بين الجزائر وروسيا.
وتعتبر هذه التحركات الجزائرية مصدر قلق كبير، وتزيد من تعقيد الأوضاع الإقليمية، مما قد يكون السبب وراء تلميحات السيسي عن مسؤولية الجزائر في زعزعة الاستقرار بالمنطقة.
وتطرّق السيسي إلى ضرورة الابتعاد عن “التدخل في شؤون الدول”، ما فسر على أنه إشارة إلى تورط الجزائر في دعم جبهة البوليساريو عسكرياً ومالياً، وتهديدها للوحدة الترابية للمملكة المغربية.
ويعتبر هذا التدخل المباشر من أكثر العوامل التي ساهمت في توتر العلاقات المغربية الجزائرية، إذ أن الدعم الجزائري للبوليساريو يعد خطرا على أمن المغرب ووحدته الترابية، ما دفع الرئيس المصري إلى التنبيه بضرورة احترام سيادة الدول ووقف أي تدخل يهدد استقرار المنطقة.
أما فيما يتعلق بـ”محاولة التآمر”، فإن تصريحات السيسي هنا قد تكون رداً ضمنياً على ما يُشاع عن محاولات الرئيس تبون لاستمالة مصر نحو التآمر ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية، حيث بدت رسالة السيسي واضحة حين رفض بشكل قاطع الانجرار وراء أي محاولات لتقويض استقرار الدول الشقيقة، مؤكداً على موقف مصر الثابت في دعم الاستقرار والتنسيق من أجل مصلحة شعوب المنطقة دون المساس بسيادة الدول أو التآمر على وحدتها.
واختتم السيسي تصريحاته بالإشارة إلى “محاولة إذكاء الفتن بين الدول”، وهو ما يمكن اعتباره نقداً ضمنياً لمحاولة الجزائر جرّ مصر إلى موقف معادٍ للوحدة الترابية المغربية، في تكرار لما شهدته العلاقات بين الجزائر وتونس بعد زيارة قيس سعيد للجزائر.
تسعى الجزائر، وفقًا لهذه القراءة، إلى الضغط على دول المنطقة لاتخاذ مواقف معينة، قد تؤدي إلى إشعال فتيل الخلافات وتفاقم التوترات، لكن السيسي أعاد التأكيد على موقف مصر المحايد والرافض للانجراف نحو أي انقسامات إقليمية.
وجاءت ردود الأفعال من الصحافة الجزائرية معادية لتصريحات السيسي بشكل لافت عقب عودة الرئيس تبون إلى الجزائر، إذ شنت وسائل الإعلام الجزائرية هجوماً حاداً على مصر والسيسي، واصفة الموقف المصري بعدم المساندة والتخلي عن التعاون.
ويظهر هذا الهجوم الإعلامي مدى حساسية الجزائر تجاه موقف مصر الرافض لأي تدخل أو تحريض على إذكاء الصراعات الإقليمية، ويعكس في الوقت نفسه انزعاج الجزائر من موقف السيسي الحازم، الذي بدا أكثر التزاماً باستقرار المنطقة وعدم الانخراط في سياسات تؤجج النزاعات.