زائر الناظور الذي تخلف عامين عن التوجه إلى هذه المدينة الساحلية، المطلة على الواجهة المتوسطية، يمكنه أن يلحظ التغيير الفعلي والملفت للانتباه في بنياتها التحتية ومنشآتها السياحية والترفيهية، هذا ما أكدته مجموعة من مغاربة العالم الذين التقت بهم هسبريس في “كورنيش الناظور” الذي يمتد على مسافة 3 كيلومترات.
هذا إذا تم النظر إلى الحيز الزمني الضيق والإيقاع الذي فرضه تبني قيود جائحة كورونا خلال السنوات الثلاث الأخيرة. أما عند العودة بالذاكرة إلى ما قبل 10 سنوات فلا يمكن، وفق الشهادات ذاتها، مقارنة “ناظور الأمس”، بـ”ناظور اليوم”، أو “الناظور الجديد” وفق التسمية الرسمية والتصور المستقبلي للمسؤولين عن الشأن المحلي بالمدينة، وأيضا مسؤولي وكالة تهيئة بحيرة “مارشيكا”.
وما زالت ذاكرة الناظوريين تحتفظ بمشاهد النفايات المتراكمة والطافية على سطح البحيرة، على طول “الكورنيش”، نتيجة آلاف أطنان المياه العادمة التي كانت تصب في “مارشيكا”، قادمة من شبكة الصرف الصحي لأغلب أحياء الناظور، وقبلها من غسل الحديد الخام في جبل “أطالايون”، في بدايات القرن العشرين، وهو الأمر الذي كان إن أخطأته العين لم يكن ليزيغ عن الأنوف، بفعل الروائح الكريهة.
من نفور إلى استقطاب
شكلت 2006 “سنة تاريخية”، وفق وكالة تهيئة بحيرة مارشيكا، حيث عرفت المنطقة زيارة للملك محمد السادس توجت بإخراج فكرة تهيئة البحيرة إلى الوجود، بعد إعطاء تعليمات ملكية للتفكير في تغيير حاضر ومستقبل البحيرة، والحيلولة دون بقائها “نقطة سوداء” بمدينة الناظور، ليتم سنة 2007 وضع برنامج واسع يحاول تثمين هذا الموقع الجغرافي الإيكولوجي مع معالجة مشاكله.
ومنذ سنة 2010 بدأت ملامح البحيرة ومحيطها في تغير مستمر، حيث انكبت وكالة “مارشيكا”، منذ إعطاء انطلاقتها من طرف الملك محمد السادس وتعيين سعيد زرو مديرا عاماً لها، على تنقية البحيرة كمرحلة أولى، وذلك عبر وضع محطة لمعالجة المياه المستعملة، وتفريغ متحكم فيه، وفتح ممرات في الاتجاهين، تطلبت استثمارا قيمته 5 مليارات درهم، ما أتاح جمع أزيد من 7 آلاف طن من النفايات، قبل التوجه نحو تثمين الثروات الطبيعية بالناظور من خلال إحداث “7 مدن موضوعاتية” حول البحيرة؛ بقيمة مالية تناهز 26 مليار درهم.
وباعتمادها شعار “من منطقة نفور إلى منطقة ترفيه واستقطاب”، عملت وكالة “مارشيكا” على تغيير الصورة القاتمة لدى الساكنة المحلية وزوار الرصيف الساحلي. أما محيط اشتغالها فامتد على 115 كيلومترا مربعا، وعلى شريط ساحلي طوله 25 كيلومترا يفصل البحيرة عن البحر الأبيض المتوسط؛ وتشمل الأوراش “كورنيش الناظور” ومنتجع “أطاليون” وشاطئي “بوقانا” و”المهندس”، و”المدينة ذات البحرين”، و”قرية الصيادين”، إلى جانب تهيئة “الشاطئ الاصطناعي” المتاخم للكورنيش، حيث بات مقصداً للكثيرين بغرض الاستجمام خلال فصل الصيف الحالي.
وتنتصب على طول الكورنيش مقاه ومطاعم أنيقة، بمواقف سيارات منظمة ومرقمنة، تستقطب السياح من جميع أنحاء المغرب، مما تعد وجهة مفضلة للجالية المغربية المقيمة بالخارج التي عبرت، في تصريحات متطابقة لجريدة هسبريس الإلكترونية، عن الإعجاب بمستوى الخدمات المقدمة.
البيئة والسياحة
تنقية البحيرة أعادت الطيور المهاجرة للاستقرار بها، وهو الأمر الذي خططت له الوكالة ضمن استراتيجيتها، بإحداث منتزه الطيور لخلق التوازن البيئي والتنوع البيولوجي، وجلب سياح من نوع خاص. ويعد منتزه الطيور بمارشيكا من أكبر المنتزهات على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.
وفي مدخل المدينة عبر “شارع 80″، أو شارع “جنان المطار”، الذي يوصف بالمتنفس الثاني للساكنة بعد كورنيش الناظور ويمتد على مسافة كيلومتريْن وبعرض 65 مترا، ثم المداخل الأخرى التي تم إحداثها لتمكين الزوار من الوصول إلى وسط المدينة عبر الطريق الساحلية من “أركمان” أو “بوعرك”، يلاحظ الزوار بشكل لافت مساحات واسعة من المناطق الخضراء وفضاءات لألعاب الأطفال وتجهيزات رياضية رفيعة المستوى مع إنارة متميزة، يضاف إلى ذلك مشروع قناة مائية تربط البحيرة بـ”شارع 80” ما زالت الأشغال جارية بها، ما أضفى على هذا الشارع جمالا وسحرا وأكسبه التميز.
بصمة رياضية
دور الرياضة وأهميتها في حياة الإنسان جعلته وكالة “مارشيكا” من بين أولوياتها، حيث أحدثت بمختلف المناطق التي تشرف عليها ملاعب رياضية متعددة الاختصاصات، وأجهزة تدريب ذات جودة عالية ومجانية، كما تم على مستوى منتجع “أطاليون” إحداث أكاديمية لرياضة الغولف على مساحة 30 هكتارا، بعدما كانت في السابق مجرد مطرح عشوائي للنفايات الصلبة.
وعلى مدى سنوات، استقطبت البحيرة رياضيين من مختلف جهات المغرب، وذلك عبر تنظيم مسابقات رياضية شاطئية في الغالبية، حيث احتضنت سنة 2019 النسخة الأولى لملتقى “مارشيكا سبور” للرياضات المائية، بشراكة مع مختلف الجامعات الملكية المغربية المرتبطة أنشطتها بالرياضات المائية والشاطئية.
وعرفت الدورة الأولى للملتقى الرياضي مشاركة ما يقارب 400 ممارس وممارسة، يمثلون مختلف شرائح المجتمع بالناظور والأقاليم المجاورة، وبمساهمة اثني عشر جامعة ملكية مغربية لمختلف الرياضات.
منتجع “أطاليون”
ضمن قائمة المشاريع ذاتها، عمدت شركة “مارشيكا ميد” إلى إحداث مدينة “أطاليون” على مساحة تقدر بـ154 هكتارا، وهي شبه جزيرة ذات إطلالة رائعة على البحيرة، توفر للسكانة والزوارمنتجعا فريدا من نوعه بوحدات سكنية فاخرة، وميناء للأنشطة الترفيهية، بجانب مطاعم وأكاديمية لرياضة الغولف.
وبإطلاق أول فندق فخم “مارشيكا لاغون ريزورت”، الذي يطل على أجمل بحيرات حوض البحر الأبيض المتوسط ويستغل 3,75 هكتارا، إلى جانب توفير 33 وحدة سكنية، ساهمت هذه الوحدة الفندقية الراقية في جلب وتشجيع السياحة الداخلية والخارجية، وفي تقليص البطالة بتشغيل منحدرين من المنطقة بمعدل 70 في المائة من مجموع الموارد البشرية.
إلهام دول إفريقية
في سنة 2018 قدم سعيد زرو، المدير العام لوكالة مارشيكا الرئيس المدير لشركة “مارشيكا ميد”، نموذج التحول الجذري الذي طال بحيرة “مارشيكا” أمام 170 دولة في العاصمة الكينية نيروبي، بدعوة من منظمة الأمم المتحدة، حيث “فرضت “مارشيكا ميد” نفسها باعتبارها “نموذجا اجتماعيا واقتصاديا” يلهم العديد من البلدان، خاصة الإفريقية منها”، وفق ما أكده زرو آنذاك في تصريح للصحافة.
وأبرز المسؤول أن شعار “من منطقة نفور إلى منطقة ترفيه واستقطاب”، الذي اعتمدته “مارشيكا ميد”، أثار انتباه واهتمام هذه البلدان، مسجلا أنه “بفضل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس ورؤية جلالته المتبصرة، أصبح المغرب يتبوأ موقع الريادة في مجال التنمية الترابية ومكافحة التلوث”.
ومن خلال هذا الانفتاح على الدول الإفريقية الأخرى، تم إحداث “مارشيكا ميد أفريكا”، التي ساهمت في تثمين خليج “كوكودي” بأبيدجان في الكوديفوار، وإعادة تأهيل قناة “بانغالانيس” في مدغشقر، حيث ذكر زرو أنه بعد مداخلته في نيروبي أصبح هناك طلب على “مارشيكا ميد” من عدة دول أخرى، وأيضا من المسؤولين في كينيا.
وبذلك ينتصب هذا الورش المغربي الضخم بفضل الإرادة والعناية الملكية كمشروع متميز، ليرتقي إلى أن يكون مرجعية في مجال التنمية المستدامة، ومن شأنه المساهمة في تحقيق الإقلاع الاقتصادي والسياحي والاجتماعي على صعيد جهة الشرق بأكملها.