اختتمت فعاليات أشغال الملتقى الدولي المنظم من طرف وزارة الاقتصاد والمالية، الذي احتضنه قصر المؤتمرات بالصخيرات على مدار يومَين، تحت شعار “الحماية الاجتماعية: ورش ملكي”، بجلسة نقاش رابعة وأخيرة عكست تعدد الفاعلين وتباين رؤاهم.
وناقش المسؤولون والفاعلون الملتئمون حول منصة الجلسة الثالثة، التي ترأسها وأدار النقاش خلالها رئيس مجلس المنافسة، أحمد رحو، “روافع المواكبة لورش الحماية الاجتماعية بالمغرب”.
وجمعت منصة الجلسة الختامية للملتقى كلّاً من غيثة مزور، وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، ورئيس جهة الدار البيضاء سطات والنائب الأول لرئيسة “جمعية جهات المغرب”، عبد اللطيف معزوز، اللذين جاوَرا رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب لعلج، والأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الميلودي مخاريق، ومنير بنصالح، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ فضلا عن ضيف حل من بروكسل، يمثل المرفق العمومي الفيدرالي للضمان الاجتماعي ببلجيكا.
رقمنة الخدمات الصحية
استهلت غيثة مزور، وزيرة الانتقال الرقمي والإصلاح الإداري، فعاليات الجلسة بالحديث عن “تعزيز الكفاءة المهنية الرقمية للموظفين، لاسيما في القطاع الصحي وهيئاته الموازية، من خلال برنامجَين؛ الأول هو “إ–تمكين”، الهادف إلى تكوين وتدريب 10 آلاف موظف وموظفة من مختلف الإدارات المغربية على المهارات الرقمية اللازمة لتسريع عملهم وضمان فعاليته”، موردة أيضا برنامج “الأكاديمية الرقمية” التي تتضمن ورشات ودورات تكوينية عن بعد في مجال الرقمنة.
وأبرزت مزور جهود وزارتها ضمن مسار مواكبة إصلاحات التغطية الصحية، قائلة إن قطاعها يتدخل من منطلق “مضاعفة جهود مواكبة الموظفين للأشخاص والمنخرطين الجدد في أنظمة الحماية الاجتماعية كورش يحظى بعناية ملكية فائقة”.
وشددت الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي على كون الوزارة “ليست منخرطة ومتدخلة في هذا الورش فقط عبر مجال الرقمنة”، بل من بوابة تشريعية أيضا، تجسدت مؤخرا في مصادقة غرفتَي البرلمان على “قانون مؤسسة الأعمال الاجتماعية الموحدة”، التي تشمل 10 آلاف موظف، ولها دور كبير في تخفيض تكاليف ومصاريف الصحة وضمان المعاش التكميلي؛ وهي نقط وردت ضمن التزامات الحوار الاجتماعي لشهر أبريل 2022، فضلا عن “قانون يتيح استفادة الموظفين من رخصة الأبوة 15 يوما مدفوعة الأجر”.
وختمت مزور بالقول: “نرى ورش الحماية الاجتماعية من حيث تعزيز تبسيط الإجراءات الإدارية والعمل على رقمنة الملف الصحي لكل مواطن، ما يتيح لامادية الخدمات وتسريعها وضمان جودتها”.
الصحة.. رهانات بيئية
من جهته، وصف عبد اللطيف معزوز، رئيس مجلس جهة الدار البيضاء سطات، والنائب الأول لرئيسة “جمعية جهات المغرب”، الحماية الاجتماعية بأنها “ورش اجتماعي لهذا القرن بإرادة ملكية واضحة”، وزاد: “إنها تمس الإنسان في كرامته (من حيث المعاش والتقاعد اللائق)، وصحته التي هي أثمن شيء يملكه العنصر البشري، الذي تظل تنميته في صلب موضوعات اشتغال المجالس الجهوية”.
معزوز لم يفوت فرصة حلوله بالملتقى أمام لفيف من الحاضرين دون أن يؤكد أن “تخفيض تكلفة الصحة أمر حاسم في علاقتها بالمسألة البيئية”، مُدلّلا على كلامه بأرقام ومعطيات تربط الصحة بتدهور البيئة: “18 في المائة من الأمراض تأتي من إشكالية وتداعيات التلوث؛ كما أن 3200 وفاة سنويا تسجل بالمغرب لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتدهور المنظومة البيئية واختلال مكوناتها”؛ قبل أن يصف التلوث بأنه “جائحة حقيقية جديدة”.
وتحدث المسؤول ذاته عن أدوار الفاعل الترابي، خاصة المجالس الجهوية، في مواكبة إصلاح قطاع الصحة، مثيرا في هذا الصدد مسألة “جودة الماء الشروب في العالم القروي والوقاية من عوامل الأمراض”، ولافتا إلى “أهمية تحسيس وتوعية الساكنة بالانخراط في أنظمة الحماية الاجتماعية”.
“تعزيز العرض الصحي والمساهمة في التغطية الصحية بالجهات والجماعات الترابية يدخل ضمن اختصاصات وصلاحيات مركزية منقولة للجهات في إطار عملها على ملف التنمية القروي”، يؤكد معزوز، الذي أورد مثالا عن توقيع مجلس جهة البيضاء اتفاقية مع الهلال الأحمر، “تدعم التكوين وخلق مصحات متنقلة بالجهة”، التي خصص مجلسُها 100 مليون درهم لهذا الورش، خالصا إلى “ضرورة استثمار الجماعات الترابية وحثها على اهتمام أكبر بقطاع الصحة”.
الصحة بعيون حقوقية
الصوت الحقوقي كان حاضرا ضمن النقاش من خلال كلمة منير بنصالح، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي قال إن الأخير يعتبر “الصحة حقا وليست بناء على حاجة لدى المواطن”، داعيا إلى “جعل النظام الصحي العمومي جذابا للمواطنين عبر عروض متميزة وخدمات تنافسية من حيث الجودة”، دون أن يغفل القطاع الصحي الخصوصي بوصفه “شريكا في تنزيل الإصلاح”.
ودعا بنصالح، الذي حضر نيابة عن رئيس المجلس آمنة بوعياش، إلى “تثمين الموارد البشرية العاملة في مهن الصحة وتحفيزها على البذل والعطاء، مع توفير تكوينات مستمرة لها ذات قيمة مضافة في مسارها المهني، ما يسهم في إنجاح الحماية الاجتماعية”.
“الباطرونا” تواكب الحماية الاجتماعية
كلمة رئيس “الباطرونا” المغربية، شكيب لعلج، أشارت إلى “مسؤولية مشتركة” يتطلبها تعميم الحماية الاجتماعية، مؤكدا أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب يجعل الجانب الاجتماعي ورفاهية مواطِني المملكة في “صميم أولويات عمله”، وموردا في السياق ذاته: “أودّ أن أكرر التزام القطاع الخاص المغربي بنجاح هذا المشروع”.
وأشار لعلج إلى تعبئة الاتحاد لعدة عقود من أجل إنشاء وتمويل ترسانة من البرامج الاجتماعية (معاشات التقاعد، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي الإجباري عن المرض، ومكتب دعم الأسرة، والتعويضات العائلية، وتعويض فقدان العمل).
وعبّر رئيس الـCGEM عن أن الشركات المغربية مستعدة أيضا للاستثمار في القطاع الصحي، عبر شراكات بين القطاع العام والخاص، من أجل “بناء مستشفيات محلية للقرب، وتدريب جيل جديد من العاملين في المجال الطبي، إضافة إلى تسريع رقمنة نظام الرعاية الصحية”.
وشدد لعلج على الحاجة إلى “ضمان أن تكون مخططات التأمين الصحي المختلفة متلائمة في انسجام تام بينها”، داعيا في ختام حديثه إلى الأخذ بـ”توصيات دراسة أنجزها الاتحاد عن القطاع غير المهيكل بالمغرب، تم تحديث نتائجها عام 2021، وانتهت إلى ضرورة خلق مناطق نشاط اقتصادية للتجار المتجولين، وتنقيح ومراجعة آلية ‘المساهمة المهنية الموحدة’ لفهرسة المساهمة في قدرة كل شخص على الأداء”.
مخاريق يثمّن حصيلة الحماية الاجتماعية
الميلودي مخاريق، أمين عام “أكبر نقابة عمالية بالمغرب”، قال في تصريح لهسبريس إن حضوره للملتقى كممثل لمكوّن نقابي يشكل دفعة لمشروع ملكي طموح، أجمع كل الفرقاء الاجتماعيين والسياسيين على إنجاحه وتوفير سبل ذلك، معتبرا أن تقييم النقابة الأولي لمستوى ما تم إنجازه إلى حد الآن في ورش الحماية الاجتماعية، خاصة في شقه المتعلق بالعمال والأجراء والطبقة الشغيلة، أسفر عن نتائج إيجابية مشجعة، قبل أن يشيد بجهود الفاعلين الرسميين في ضمان التعميم واحترام الآجال التي حددها الخطاب الملكي.
جدير بالتذكير أن ملتقى الحماية الاجتماعية الذي نظمته جمعية أعضاء المفتشية العامة للمالية، مع وزارة الاقتصاد، بالصخيرات طيلة يومين، شهد نقاشات مستفيضة بين فاعلين عموميين وخواص ونقابيين عن حصيلة الإصلاح ودرجة تقدم ورش الحماية الاجتماعية حسب الأجندة الزمنية المحددة في أفق 2025، لتعميم جميع خدماتها على 22 مليون مغربي؛ إذ تم بلوغ رقم 11 مليونا من العمال غير الأجراء الذين شملتهم التغطية الصحية الإجبارية إلى حدود هذا العام، حسب ما كشف عنه رئيس الحكومة في الجلسة الافتتاحية للملتقى.