ينعى المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور الفقيد حميد أمزكداو أحد العاملين
في الحقل الديني بالإقليم. فقد رافق طلبة القرآن والعلوم الشرعية وعامة الناس في المدارس القرآنية وبالأخص مدرسة الإمام مالك للتعليم العتيق بالناظور وبعض
مساجد الناظور والضواحي. رافقهم معلما وناصحا وإماما وخطيبا ومربيا. رحل الفقيه سيدي حميد أمز كداو عن دنيا الناس بعد عصر يوم السبت 13 جمادى الأولى 1446هـ، الموافق لـ 16 نونبر 2024م، بعد معاناة مع وعكة صحية لم تمهله إلا أن ساقته الى أجله المحتوم.
فقد رأى النور بقبيلة تمسمان وبالضبط بقرية تروكوت إقليم الدريوش حاليا وإقليم الناظور سابقا عام 1962م.
واختلف تحت رعاية وتوجيه أسرته الى كتاتيب قرآنية المنتشرة بتمسمان المشهورة بالمدارس العلمية العتيقة، ولا شك أنه قد استفاد من شيوخ القرآن والعلم والمتون العلمية الذين جلس اليهم وتحلق حولهم في زمن الطلب بقريته وبتمسمان كلها المعروفة بمعهدها الكبير التاريخي “بني يعقوب” فهو مدرسة تاريخية كان الطلبة يقصدونها من كل جهة للتمكن من حفظ القرآن والقراءات القرآنية والعلوم الشرعية واللغوية والأدبية والدقيقة كالفرائض والتوقيت والحساب والرياضيات. نحسب أن فقيدنا قد نال حظه من بعض هذه المعارف برحاب هذا المعهد أو بواسطة خريجيه الكثر الذين كانوا ينتشرون في القرى المجاورة.فالمعهد الديني ببني يعقوب أسس في عهد السلطان الأكحل أبي الحسن المريني واشتهر بأداء مهامه في العبادات وخطبة الجمعة والتعليم، وكان من الروافد الأساسية التي تمد القرويين بفاس بالطلبة لإتمام دراستهم وأبحاثهم، فإلى حدود السبعينيات من القرن الماضي كان لايزال يتمتع بإشعاعه العلمي خاصة في حفظ القرآن الكريم والمتون العلمية حيث كان الطلبة منه ينتقلون الى مواصلة دراستهم بالمعهدين الدينيين الأصليين بالناظور والحسيمة.
وبهذه الدراسة الأولية لفقيدنا التي حفظ فيها القرآن والمتون العلمية الضرورية كابن عاشر والأجرومية والألفية والسلم والاستعارة انتقل الى التعليم النظامي بثانوية محمد الخامس للتعليم الأصيل فقضى فيها سنوات أواخر الثمانينيات نال على اثرها شهادة الباكالوريا التي حولت له الانتساب الى كلية الشريعة بفاس حيت أكمل دراسته الجامعية متخرجا منها بالإجازة العليا ( اللسانس) وهو المصطلح الذي كان تطلقه هذه الكلية على هذه الشهادة منذ نشأتها، والتي تسمى حاليا (الإجازة في الدراسات الأساسية) وكان ذلك عام 1994م، منها انطلق بحثا عن وظيفة للإسهام في بناء أمته وللحصول على مورد قار للعيش، فشارك في مباريات لم يكتب له فيها التوفيق. فاتجه يشارط في المساجد إماما وخطيبا وواعظا.
وفي عام 2011م عرض عليه الانخراط للتدريس بمعهد الإمام مالك للتعليم العتيق بالناظور فقبل دون تردد ورحب ببشاشته المعهودة، وكان الى حين وفاته يزاوج بين التدريس والإمامة والخطابة. ويعتبر ذلك من المسؤوليات التي يجب أن يضطلع بها العلماء، فميدان التربية والتعليم عامل ضخم من عوامل النهضة واليقظة والتأثير في الناشئة، صبر مترجمنا – رحمه الله -تعالى- محتسبا في أداء الواجب بهذه المؤسسة ولسان حاله يردد قول الشاعر العربي القديم
واذا الفتى قد نال علما ثم لم * يعمل به فكانه لم يعلم.
وانتدب سيدي حميد امز كداو واعظا رسميا برشد ويعظ ضمن كوكبة الوعاظ تحت اشراف المجلس العلمي بالناظور وتوطدت علاقته مع رفاقه في درب التعليم العتيق والوعظ والإرشاد ومع زملائه الأئمة والخطباء يؤدي ما عليه ويحضر المؤتمرات واللقاءات التواصلية والندوات والمحاضرات التي تنعقد وتنظم في إطار التكوين المستمر والتعلم الذاتي.
ولما دعت بعض ظروفه الخاصة للتخلي عن الإمامة في أحد المساجد التي كان يشارط فيها انسحب في صمت تام رغم حالته المادية الصعبة واعتبر ذلك ابتلاء وقدرا مقدورا، فما ابدى تبرما ولا شكاة بل كانت الابتسامة لا تفارقه ومعها يقدر أهمية التعليم العتيق الذي شغف بأداء مهامه فيه يمارسها بروح من التفاني والإخلاص والصدق.
واذكر أنه كان يتجاوب مع طلبته ويتعرف عليهم ويراعي ظروف كل واحد منهم. فلم يكن مدرسا فقط بل كان كذلك أبا عطوفا على طلبته ومربيا يسهر على تكوينهم وذلك قبل أن يصاب بمرض في السنوات الأخيرة جعله ينكفئ ويتأخر عن القيام ببعض المهام.
إننا في المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور.
نعزي في فقدانه ورحيله ونعد هذه التعزية ترسيخا لثقافة الاعتراف بالجميل وربط الماضي بالحاضر وتعريفا للأجيال بأعلام ومؤسسات دينية ومدارس التربية والتعليم والتكوين، ولذلك نذكر بعضا من مناقب الفقيد حميد امزكداو، فالرجل كان خلوقا تشرق أساريره محبة بتواضع مع المخاطب وحسن استقبال وإحسان الاستماع للأخر. طيب المعشر حلو الحديث، لا يتكلم كثيرا، وإذا تكلم ينتقي كلماته بشكل ثير الإعجاب والتقدير، وقور ودود يحترمه كل من عاشره، يسعى الى فعل الخير ويحث عليه ويسهم بالموجود رغم ضيق ذات اليد.
كانت خصال الرجل رحمه الله تعالى حميدة كإمام وخطيب وواعظ ومعلم، كما أنه لم يكن يخوض في أعراض الناس ولم يكن يحقد على أحد، كان يقضي سواد يومه إما في المسجد أو في بيته أو في المدرسة. يبتعد عن التهريج والتهييج في دروسه ووعظه وخطبه والعمل الصامت هو ديدنه.
وكان حريصا على أن يحضر مبكرا لمباشرة أعماله ليكون قدوة لطلبته الذين كثيرا ما كان ينبههم عن التأخر والتخلف. فقبل أن يصل الينا نعيه تجاذبنا الحديث في المدرسة عن تغيبه المفاجئ ليومين فعلمنا بما أصابه وأنه يتهيأ لإجراء عملية جراحية لاستئصال الداء وكان ذلك صبيحة يوم السبت الذي فوجئنا برحيله عشيته ملبيا داعي ربه. رحمه الله واسكنه فسيح جناته ورزق الله أهله وذويه الصبر والسلوان وأحاطهم بعنايته ورعايته وانبتهم النبات الحسن.