على طول شارع عقبة بن نافع بالحي المحمدي بمدينة الدار البيضاء، تستوقف المارة بناية سوق نموذجي للقرب. بناية أنفقت عليها ملايين الدراهم؛ غير أنها مغلقة في وجه الباعة الجائلين والزبناء.
وغير بعيد عن ملحقة السمارة بعمالة عين السبع، تتراءى للمارة بناية شاهقة، كتب على واجهتها سوق القرب البركة؛ لكن “البركة” اختفت وبقيت البناية وحدها!
بمجرد محاولة الولوج إلى سوق البركة، ينتاب الزبون الخوف والهلع، ليعود أدراجه صوب منزله أو بحثا عن عربات الباعة الجائلين. يخال الزبون، وخصوصا النساء، أن هذا الفضاء مهجور وأن الولوج إليه قد يشكل خطرا عليهن.
أسواق مهجورة
سوق البركة على مستوى عمالة عين السبع الحي المحمدي، الذي تم إنجازه من لدن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمبلغ يناهز ملياري سنتيم، دلالة واضحة على هدر المال العام وسوء التدبير.
خلال استطلاع قامت به جريدة هسبريس لهذه المعلمة التجارية، بدا السوق شبه فارغ من الباعة قبل الزبناء. أصحاب الخضر والفواكه معدودون على أصابع اليد الواحدة اختفوا من السوق، وبقيت عرباتهم شاهدة على أنهم مروا من هنا.
أما أصحاب محلات بيع الملابس، فقد اختفوا عن الأنظار وتوجهوا صوب القيسارية، وباتت المحلات الممنوحة لهم مغلقة. ثلاث نسوة فقط ممن بقين صامدات ينتظرن “غودو” الذي سيعيد التجار والرواج الموعود بالسوق.
سوق البركة ليس سوى “مقبرة الباعة”، كما وصفته إحدى البائعات وهي تتحدث للجريدة خلال هذه الزيارة. مركب كبير بدون تجهيزات، بل بدون ماء وكهرباء ونظافة!
وعلى مستوى مقاطعة الحي المحمدي، فإن الوضع أسوأ بسوق عقبة، الذي أنفقت عليه الملايين، ليغلق أبوابه في وجه الجميع.
السوق الموجود على مستوى شارع عقبة بن نافع لم يعمر طويلا، إذ بمجرد افتتاحه سيشهد إغلاقا بشكل سريع، بعدما لم يستطع جذب الزبناء إلى الباعة؛ ما يستشف منه أن هذه البناية شيدت دون استحضار الشروط الكفيلة بنجاحها.
وغير بعيد عن درب مولاي الشريف بالحي المحمدي، فإن سوق الفتح النموذجي هناك يعيش القصة نفسها؛ عربات مركونة، وأصحابها مختفون، قد يكونون يمارسون مهنا أخرى بعيدا عن السوق.
شكوى وتذمر
حوالي 602 من المستفيدين قد جرى اقتراحهم للحصول على محلات وعربات داخل سوق البركة؛ لكن الإطلالة عليه تكشف أن عدد الباعة داخله لا يتجاوز 20 شخصا على أبعد تقدير.
حكى واحد من الباعة لجريدة هسبريس: “نحن متضررون داخل هذا السوق، هناك محلات وعربات لكنها مهجورة، ونحن نطالب بإعماره”.
وأضاف البائع وهو غاضب من هذا الوضع الذي يجعل الزبناء يتهربون من القدوم إليه: “هناك من استفاد من المحلات؛ لكنهم يرفضون القدوم إليه. لذلك، يجب أن يتم إرجاعهم إليه. لا يعقل أن يستمر على هذا المنوال، فنحن الذين اخترنا البقاء والالتزام متضررون من ذلك”.
وأوضح المتحدث نفسه أن السلع “موجودة والزبون غير موجود، بحكم العربات المنتشرة بالخارج وغياب النظافة والباعة”، مؤكدا أن السلطات تقدم وعودا كاذبة دون أن تعمل على إرجاع الباعة إلى فضاء السوق.
بدوره، أكد عبد الرزاق، وهو واحد من الباعة الذين يملكون محلا بهذا السوق، أن هذا الفضاء يعيش على العشوائية وصار متسخا في ظل غياب النظافة.
وأضاف المتحدث: “يجب إرجاع المستفيدين إليه، سواء باعة الخضر والفواكه أو باعة الملابس في القيساريات، لا يعقل أن يظل هكذا”.
وعبر البائع عن تذمره وتذمر باقي الموجودين به، من غياب الإقبال على السوق، بالنظر إلى أنه صار مهجورا، ناهيك عن أنه يعاني من غياب الماء والكهرباء.
مسؤولية مفقودة
أمام هذا الفشل الذي اعترى أسواقا أنفقت عليها ملايين الدراهم، تجد السلطات بعمالة عين السبع الحي المحمدي نفسها في وضع لا تحسد عليه، خصوصا أن أسواقا نموذجية بعمالات أخرى استطاعت أن توقف انتشار الباعة في الشوارع.
في عمالة سيدي البرنوصي، تمكنت هذه الأسواق النموذجية من وقف زحف “الفراشة” و”العربات المجرورة”، بالنظر إلى تدخل السلطات الحازم لإدخال هؤلاء للأسواق التي تم تشييدها.
وحاولت الجريدة التواصل مع الجمعية المشرفة على سوق البركة، على هامش اجتماع عقد بمقر مقاطعة عين السبع، اليوم الأربعاء؛ غير أن مسؤولة بها رفضت ذلك.
مصدر من السلطات بعمالة عين السبع الحي المحمدي حاول، في حديثه للجريدة، التقليل من هذا الأمر، بالتأكيد على أن الأسواق النموذجية بعضها يعرف نجاحا والبعض الآخر يعرف الفشل؛ غير أن المسؤول نفسه يبعد تراخي السلطات في دفع المستفيدين إلى فتح محلاتهم والاشتغال عبر عرباتهم بالسوق.
وأمام هذا الوضع، وصرف ملايين الدراهم على أسواق لم تنجح في وقف زحف العربات المجرورة المنتشرة بأحياء الحي المحمدي وعين السبع، فإن فعاليات مدنية تطالب بالتحقيق في صرف أموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية دون تحقيق الغاية المرجوة.