لا مجال لموقف محتشم حول الصحراء بالنسبة للمغرب مستقبلا، فالأمر مطروح على مستوى أعلى سلطة في البلاد، بعدما أكد الملك محمد السادس في الخطاب الأخير أن الموقف من القضية معادلة مؤسسة لنظرة المغرب صوب الخارج وتحديد الأصدقاء من الخصوم.
ولم يستثن الخطاب الشركاء التقليدين للمغرب من الأمر، فالرباط ما تزال منتظرة اصطفافات توازي الموقف الأمريكي والإسباني والألماني، والعين هنا على فرنسا التي تحتفظ باختيار قديم يكتفي بدعم الحكم الذاتي دون اعتراف صريح المضمون.
ويأتي الخطاب الملكي أياما قليلة قبل زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون إلى الجزائر، وفي الأجندة، وفق بيان لقصر الإيليزيه، تداول الأوضاع الإقليمية ومراجعة مختلف الأمور التي تحبط العلاقات الثنائية منذ مدة.
وفي السياق ذاته، تناولت العديد من الصحف الفرنسية مضامين الخطاب الملكي الأخير، متشبثة بنصه والحديث عن رفض “مواقف ملتبسة” من الأمر، لكنها في المقابل تفادت أي إشارة إلى كون العاصمة باريس معنية بالمواقف الرمادية التي باتت مرفوضة من الرباط.
مصطفى الطوسة، محلل سياسي مقيم في باريس، قال إن “الموقف الملكي يمثل العزم والشجاعة الدبلوماسية القوية”، معتبرا أنه “يبرز بالملموس أن المغرب قد وصل إلى مطلب تسوية هذا الخلاف الإقليمي بشكل نهائي ورفضه لجميع القوى التي تحافظ على استمراره”.
ويأتي الخطاب، وفق طوسة، موجها إلى عواصم معينة، بما في ذلك باريس، كما أنه يأتي تزامنا مع زيارة إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، التي من المرتقب أن يتداول خلالها “القضايا الإقليمية والمصالحة”، مسجلا أن “المغرب سيراقب كلمة الرئيس ماكرون ومواقفه عن كثب”.
مصطفى طوسة اعتبر أن الرسالة الملكية “دعوة صريحة إلى عواصم عديدة من أجل تحديث مواقفها وفقا للمعطيات السياسية الجديدة الناتجة عن الموقف الأمريكي الكبير، والتموضع الإسباني الجديد، والإجماع العربي والانفتاح الأفريقي”.
ويستهدف الخطاب، يضيف الطوسة، “الخيارات الدبلوماسية الفرنسية التي تبدو غير متوافقة مع الوضع الجديد”، موردا أنه من غير المنطقي أن تكون لدى فرنسا شراكة استراتيجية قوية وصداقة وتحالف من نوعية نادرة مع المغرب، وتظل مترددة في عملية الاعتراف بمغربية الصحراء.
واعتبر المصرح لهسبريس أن “الدبلوماسية الفرنسية تدعم خيار الحكم الذاتي في المحافل الدولية، لكن التطورات الاستراتيجية في هذا الملف تفترض من جانب باريس تحديثًا أساسيًا لم تستطع طرحه لأسباب غير معروفة”.
والجديد اليوم بالنسبة للمتحدث ذاته، “هو أن المغرب لم يعد مستعدا لقبول التردد والمراوغات”، قائلا: “كل أولئك الذين لا يعترفون بالصحراء من بين البلدان القريبة، يُنظر إليهم بحق على أنهم دول غير ودية، ذات لغات مزدوجة وانتهازية”.
وسجل الطوسة أن عدم الاعتراف الكامل بسيادة المغرب على صحرائه، “يعادل في الهيكل الدبلوماسي الحالي ممارسة لعبة مزدوجة ونوعا من الابتزاز”، مشيرا إلى أن الخطاب الملكي يريد أن يضع حدا لهذه الممارسات.