اهتمامٌ بالمذكرات التي كتبها المغاربة يقصد “تجديد النظر في مقاربتها الاصطلاحية والتصنيفية والجمالية”، يحضر في كتاب جديد للأكاديمي مصطفى الجوهري.
يأتي هذا الكتاب في ظل “قصور كبير” للبحث الجامعي في الاهتمام بالمذكرات. وعُنوِنَ بـ”نظرات ومقاربات في كتابة: أدب السيرة الذاتية والمذكرات وأدب الرحلة”، وهو صادر عن منشورات جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة.
ويقدم هذا المؤلف دراسات وقراءات في مذكرات عدد من أعلام الثقافة بالمغرب، مع الاهتمام بمؤلّف فلسطيني استقر بالبلاد.
ويهتم الكتاب بكل من “هذه مذكراتي من فجر حياتي إلى سنة 1950” لعبد الله الجراري، “معتقل الصحراء” لمحمد المختار السوسي، “مشاهد من تاريخ الجهاد الوطني” لعبد الكريم الفلوس العلمي، “أمريكا.. الشاهد والتاريخ” لعلي بركاش، “مذكرات دبلوماسي: عن العلاقات المغربية الموريتانية” لقاسم الزهيري، “حياة في المسرح” لعبد الله شقرون، “ذاكرة أسرة فرج الرباطية وسيرتي الذاتية” لإبراهيم فرج، “بعض مني: رحلة لجوء من حيفا إلى الرباط” لواصف منصور، و”رحيق العمر: موجز سيرتي الذاتية”، و”ثلاثون يوما في الولايات المتحدة الأمريكية” لعباس الجراري.
ويقدم هذا المؤلَّف “خلاصة تأملات وقراءات لنصوص مغربية تعكس مقاربة نماذج الكتابة المغربية في أدب السيرة الذاتية والمذكرات، وفي أدب الرحلة بما ينسجم مع طروحاتها وقضاياها وتقاطعاتها أفقيا وعموديا، وفي تجديد النظر في مقاربتها الاصطلاحية والتصنيفية والجمالية”.
ويعرض الكتاب الجديد “ومضات ودراسات لكتابات وكُتّاب أبانوا عن تمرس وخبرة ثقافية وتَمَكن من آليات الكتابة الذاتية، التي يمكن اعتبارها أرضية خصبة-رغم بعض الإكراهات-في إثراء الكتابة الأدبية المغربية في بعدها السِّيَر ذاتي وخطابها الرحلي”.
هذه الأعمال التي اهتم بها المؤلف “مثلت فصولا مهمة وممتعة من السيرة الذاتية والمذكرات والرحلة، كما أنها شكلت حضورا ظاهرا عبر مسالك وفضاءات ومدن متباعدة ومعالم متباينة، وهي تكتب وتحكي أغوار ذاكرتها وذكرياتها ومشاهدها وتجاربها ومساجلاتها وخفاياها في متعة ومؤانسة تعبيرية محكمة في شكلها، وفي التقاط مثيرها وتدوين عجيبها ومفيدها، وصدق روابطها وعلاقاتها، وتنوع معارفها”.
كما أضفت هذه الأعمال على “فنون الكتابة المغربية بأنواعها وأشكالها تطورا بلور خطابها، وجدد سفر الكتابة باكتسابها مكانة معرفية وفنية، فتقت معالم التواصل الثقافي والإنساني، وشكلت قيمة مضافة في الأدب العربي الحديث، مغربا ومشرقا”.
وينبه مصطفى الجوهري إلى أن المذكرات في المغرب لم تنل “حقّها من الدراسة والتحليل”؛ لأنها “لم تُدرَس بعد بالشكل المطلوب رغم انتعاشها النسبي في السنوات القليلة من القرن الماضي، ليظل البحث الجامعي يعاني من قصور كبير”؛ فالدراسات الجامعية المنجزة، حسب قراءة الجوهري “قليلة، رامت مقاربة جنس السيرة الذاتية أكثر من غيرها”.
كما التفتت هذه الأبحاث، حسب المصدر ذاته، إلى “السيرة الذاتية الصريحة والسردية، ولم تلتفت إلى محطات التطور في أدب المذكرات. وسلكَ أصحابها نفس المواقف السائدة، واعتبر بعضهم المذكرات شكلا من أشكال السيرة الذاتية، ربما لغياب منظور نقدي شامل يمس المذكرات، وربما تأثرا بالدراسات العربية والغربية التي تحصر ربط الميثاق السيرذاتيّ في الذات/الأنا، وربما (أيضا) لظهور مذكرات ترتبط بتجربة محددة في الزمان والمكان لا تغطي مختلف المحطات والممارسات الذاتية والعامة”.
ومن بين ما يقترح مصطفى الجوهري في أحدث كتبه، استعمال مفهوم “المذكرات الذاتية” باعتبارها “كتابة تفرعت عنها أشكال من جنسها”، حتى “تكتسي مشروعيتها كجنس أدبي رغم سيطرة السيرة الذاتية وانتشارها في الكتابة الحديثة موضوعا وسردا”؛ فـ”المذكرات الذاتية إلى جانب إفرازها لمحطات الحياة الذاتية بكل معطياتها، فإنها تتوسع عبرها مكونات متباينة، ومرجعيات ثقافية متعددة وظواهر خارجية كثيرة، وتجارب متقاطعة ذاتيا وموضوعيا واجتماعيا وحضاريا”.