خروقات كثيرة رصدتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خلال بحثها في أحداث “الجمعة السوداء” بمليلية، وتضارب في الأرقام بشأن عدد الموتى والمفقودين؛ ففي الوقت الذي تقدر السلطات عدد الموتى بـ23 قالت الجمعية إن رقمهم يرتفع إلى 27 شخصا، إضافة إلى آخر توفي بعد يوم، ناهيك عن اختفاء 64 شخصا؛ وهو رقم تشير الجمعية إلى أنه مرشح للارتفاع.
وقدمت الجمعية خلال ندوة صحافية، اليوم الأربعاء، تقريرها بشأن أحداث “الجمعة الأسود”. وقال عمر الناجي، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالناظور، إن “التقرير مبني على البحث في الميدان”، معتبرا أن ما به من معطيات هي “موثوقة”، ومؤكدا تسجيل 27 وفاة وشخص آخر في طريق الترحيل ناهيك عن اختفاء مهاجرين لا يعرف مصيرهم.
وطالب الناجي بضرورة “فتح تحقيق جاد ونزيه من قبل فئات مستقلة ومحاسبة المسؤولين”، معتبرا أن “استطلاعا في ثلاثة أيام” غير كاف لمثل هذه القضية التي أزهقت فيها أرواح، قائلا: “في الدول التي تحترم نفسها يتم القيام بتحقيق نزيه وليس الاستطلاع في ثلاثة أيام”.
ما قبل “الأحداث”
تحدثت الهيئة الحقوقية، ضمن تقريرها الذي استعرض تفاصيله الناجي، عن سياقات ما قبل تاريخ 24 يونيو المنصرم، موضحة أنها تتبعت مؤشرين أساسيين لتقييم الهجرة بالناظور؛ ويتعلق الأمر بكل من عدد المداهمات التي تقوم بها السلطات على الغابات بالناظور، ومحاولات اجتياز السياج.
وأشار عمر الناجي إلى أنه “قبل نهاية مارس الماضي، أي قبل عودة العلاقات المغربية الإسبانية، كان هناك ارتفاع كبير لمحاولات اجتياز السياج الحدودي بين الناظور ومليلية؛ لكن بعد عودة العلاقات كان هناك 31 هجوما قامت بها السلطات على الغابات وطالبي اللجوء اشتدت في يونيو ووصلت إلى حد مواجهات دموية، ناهيك عن الحصار الغذائي على المخيمات”.
وتابع عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالناظور: “900 طالب لجوء مروا إلى مليلية دون سقوط أي ضحايا في مارس الماضي؛ لكن التعامل تغير مباشرة بعد عودة العلاقات المغربية الإسبانية”، منتقدا ما أسماه “استغلال المهاجرين في قضايا سياسية واقتصادية”.
وحسب المتحدث، فإن أعنف هجوم تعرضت له أماكن اختباء المهاجرين بالغابات كان “يوم 23 يونيو للمطالبة بإخلاء المخيم. وخلاله، تم تسجيل جروح في كلا الطرفين واستعمال كثيف للغازات المسيلة للدموع لتفريق المهاجرين في مجال غابوي كان يمكن أن يتسبب في الحرائق”.
واعتبر الفاعل الحقوقي سالف الذكر أنه “في ظل هذه الظروف الصعبة قرر طالبو اللجوء الدخول صباحا إلى مليلية”، وأفاد بأنه “لأول مرة تتم محاولة اجتياز الحدود والمهاجرين حاملين الحجارة والعصي وهذا ناتج عن المواجهات السابقة مع السلطات”.
المراحل الأساسية
تحدث عمر الناجي، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالناظور، عن ثلاث مراحل أساسية للعنف مر منها المهاجرون خلال محاولتهم اجتياز الحاجز؛ أولاها عند محاولتهم القفز من على السياج، إذ “كانت رغبتهم القفز بأقصى سرعة، فوقع تدافع كبير بعد سقوطهم، وتدخلت السلطات المغربية لقمعهم باستعمال الحجارة والعصي والركل”.
وأكد الناجي أنه “كان هناك تعاون وتنسيق كبير بين السلطات المغربية والإسبانية في رمي الغازات المسيلة للدموع دامت ساعة في ممر ضيق ومحاصر لا يسمح للمهاجرين بالعودة لأي منطقة”.
أما “المرحلة القاسية” والتي دامت ساعتين تمثلت، حسب تقرير الجمعية، في “التعامل القاسي وغير الإنساني عن طريق الضرب المبرح لطالبي اللجوء، خاصة على مستوى الرأس والأطراف وهم جرحى وتكديسهم داخل منطقة حددتها السلطات لا تتجاوز 200 متر مربع”، مؤكدة أن “أربعة مهاجرين توفوا خلال هذه المرحلة”.
أما عن عملية نقل الجرحى والضحايا، فهي الأخرى لم تتم وفق المعايير اللازمة، إذ رصدت الجمعية وجود “أربع سيارات إسعاف لم تتدخل حتى الساعة الـ11.30، وبدأت بنقل الموتى وهي المهمة التي دامت لتسع ساعات”، معتبرة أن “طول المدة ساهمت في زيادة عدد الضحايا”.
وأكدت الجمعية الحقوقية أنه تم خلال اليوم نفسه إبعاد حوالي 500 “طالب لجوء”، لافتة إلى أنه كان “من بينهم جرحى، توفي أحدهم في حافلة الإبعاد”.
واعتبرت الهيئة ذاتها أنه على الرغم من قطع المهاجرين لكيلومترات على الأقدام قبل الوصول إلى المعبر، فإنه لم يتم التدخل حتى وصولهم إلى الأعلى، قائلة: “السلطات كانت تريد فعلا من طالبي اللجوء القدوم إلى المعبر، وتظل هي في الأعلى للقيام بالتدخل العنيف والتمكن من رجمهم بالغازات المسيلة للدموع دون أن تتأذى في وقت تخلص فيه هؤلاء من الحجارة والعصي التي كانوا يحملونها”.
مقبرة الناظور
أشارت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تقريرها بشأن أحداث “الجمعة الأسود”، إلى أنها قامت بـ”زيارة مفاجئة لمقبرة الناظور ووقفت على حفر 21 قبرا في المكان المخصص لطالبي اللجوء داخل المقبرة تحت إشراف باشا المدينة وقائد المنطقة”.
وأضافت الجمعية أنها “بعد فضح الأمر تراجعت السلطات وأعلنت أنها عملية حفر عادية”، معتبرة أنها “ربما كانت ترغب في القيام بعملية دفن سري دون القيام بالإجراءات اللازمة والتشريح الطبي والتعرف على الضحايا”.
ولفتت الجمعية إلى أنها قامت بزيارة لمكان حفظ الجثث بمستشفى الناظور لتصادف “15 جثة مرمية في الأرض ومكدسة، هذا دون احتساب تلك التي كانت محفوظة بالصناديق المخصصة لها”.
وانتقدت الهيئة الحقوقية ما سمته “التعامل القاسي والمهين للكرامة”، مؤكدة أيضا أن السلطات الإسبانية قامت بـ”الإبعاد السريع لحوالي 100 طالب لجوء؛ وبالتالي عرضتهم للخطر عند تسليمهم إلى السلطات المغربية، وهو ما يستوجب البحث في ما إذا كان هناك وفيات ضمن هؤلاء الحالات”.
مافيات الاتجار بالبشر
أما عن فرضية وجود “مافيات للإتجار بالبشر” كانت وراء أحداث الفاجعة، استبعدت الجمعية الأمر قائلة إن “طالبي اللجوء، الذين حاولوا العبور، غالبيتهم شباب أقل من 26 سنة توافدوا على المغرب قبل المحاولات الأولى في مارس بل قبل سنوات أتوا عبر ليبيا”، مؤكدة أنهم “لم يمروا ابدا عبر مغنية كما ذكرت محاضر الأمن لإظهارهم منتمين إلى شبكات هجرة منظمة”.
وأكدت الجمعية أن هناك نوعين من الهجرة من الناظور؛ الأولى هي “هجرة بالقفز على السياج موجهة للفقراء دون تأدية أي ثمن، إذ يتعلق الأمر بمهاجرين يأتون على الأقدام بقرار فردي يجتمعون داخل الغابة، وهو أمر يتم منذ سنين”. أما النوع الثاني فهو “هجرة مؤدى عنها عن طريق البحر”، قائلة إنها “تدر الأموال، وانتشرت بالمنطقة منذ عام 2017، وظهرت لخدمة سياسات الهجرة المغربية والإسبانية”.