أعادت فاجعة انقلاب حافلة للمسافرين، الأربعاء الماضي، على الطريق الوطنية رقم 11 التي تربط بين مدينتيْ خريبكة والفقيه بن صالح، مخلّفة 23 قتيلا وعشرات الجرحى والمصابين، بعضهم بعاهات مستديمة، مطالبَ متجددة بعضها ظل دون استجابة لسنوات، خاصة ما يتعلق بصيانة وإصلاح البنية التحتية الطرقية بين المدن.
ومع توالي حوادث السير وارتفاع عددها بطرقات المملكة، خصوصا تلك التي تكون حافلات نقل المسافرين أو شاحنات نقل البضائع طرفاً فيها، تجددت مطالب فئات عريضة من النسيج الجمعوي والنقابي، وكذا مطالب بعض النواب البرلمانيين والمواطنين، بـ”إصلاح عدد من المحاور الطرقية والانتباه إلى إشكالية صيانتها”، تفاديا لمزيد من الخسائر في الأرواح كما الممتلكات.
“نقطة سوداء قاتلة”
سارع النائب البرلماني عن فريق التقدم والاشتراكية (الدائرة المحلية خريبكة) عبد الصماد خناني إلى رفع مطلب “إصلاح وتوسيع الطريق الرابطة بين خريبكة والفقيه بنصالح باعتبارها نقطة سوداء قاتلة”، في سؤال كتابي موجَّه إلى وزير التجهيز والماء، نزار بركة، مباشرة في الأيام التي تلت الفاجعة.
كما دعا عضو لجنة البنيات الأساسية بمجلس النواب إلى “ضرورة التحرك واتخاذ التدابير المستعجلة من أجل وقف نزيف الدم على مستوى هذه النقطة السوداء في الطريق سالفة الذكر؛ وذلك من خلال برمجة وتفعيل وتمويل إصلاح هذه الطريق، تفاديا لتكرار المأساة”.
البرلماني التقدمي أورد في نص سؤاله أن “بلادنا رصدت، منذ مدة، إستراتيجية طموحة وميزانيات ضخمة، بغاية الحد من حرب الطرق التي تقف وراءها عدة أسباب، منها الأسباب البشرية، وأخرى تتعلق بمستوى جودة الطرق”، قبل أن يستدرك: “لكن، إلى حد الآن لم تتحقق كل الأهداف المرجُوّة”.
وسجل خناني أنه “في ما يتعلق باختصاصات قطاع التجهيز فإن العديد من الطرق، التي تعد فعلا نقطاً سوداء تتسبب في حوادث سير خطيرة ومميتة، بما لها من تداعيات وخيمة، إنسانيا واجتماعيا واقتصاديا، لم تتم بعد معالجتها بالإصلاح والتوسيع، كما هو الحال بالنسبة للطريق الرابطة بين خريبكة والفقيه بنصالح”، خالصا إلى القول: “مهما تكن أسباب، إلا أن المؤكد أن سوء الطريق وضيقها وافتقارها إلى أبسط تجهيز، إما أنها أسباب رئيسية، أو عوامل إضافية لهذه المأساة الإنسانية المؤلمة والمفجعة”.
“تفعيل المحاسبة”
من جهتها، اعتبرت فاطمة التامني، النائبة بمجلس النواب عن تحالف فدرالية اليسار، أنه “لا شك أن التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لحوادث السير سنويا بالمغرب تظل مهولة ومقلقة؛ بالنظر إلى التداعيات المادية والمعنوية والنفسية من جهة، والانعكاس السلبي على التنمية من جهة أخرى”.
وأوردت التامني، في معرض إفادتها لهسبريس، معطيات تضمنها عرض حول “السلامة الطرقية” قدّمته الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية بمجلس النواب، أمام لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن (أبريل الماضي)، مفادها تسجيل حوادث سير مميتة تزداد نسبتها، رغم تفعيل الإستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية.
وسجلت النائبة ذاتها أنه “رغم ما يمكن الوقوف عليه من أسباب مؤدية إلى حوادث السير، والمرتبطة بالجانب السلوكي عامة، أو سوء الأحوال الجوية في بعض الأحيان؛ إلا أن وضعية الطرقات تستدعي طرح الأسئلة وتفعيل المحاسبة، لأنها تندرج في قلب السياسات العمومية التي تُستخلص من جيوب المواطنين، وينبغي أن تتوفر بالجودة المطلوبة”.
“واقع الحال أنّ الطرق في العديد من الجهات والمناطق مهترئة ومعطوبة وتحتاج للإصلاح حتى تكون صالحة للاستعمال، بدل تسببها في مآسي ومخاطر، كما تابعنا مع فاجعة طريق خريبكة الأخيرة”، تورد التامني في معرض تصريحها، لافتة إلى أنه “لا يُعقل أن تستمر معاناة المغاربة مع الطرقات في عدة محاور (بنجرير/قلعة السراغنة أو سطات/بن أحمد، فاس-مكناس…)”.
وخلصت المتحدثة إلى تكاثر “نقط سوداء تتسبب في إزهاق الأرواح بسبب الإهمال المتواصل، فضلا عن الأضرار الناجمة التي تلحق السيارات بسبب الحفر حتى داخل المدار الحضري وفي الشوارع الرئيسية الكبرى”، داعية المسؤولين عن تدبير الشأن العام إلى الانكباب بعمق على معالجة الاختلالات.
“الحمولة الزائدة للشاحنات”
مطالب إصلاح الطريق يتبناها أيضا المهنيون ومستعمِلوها بشكل يومي من سائقي الحافلات وشاحنات نقل البضائع، الذين أكدوا حسب ما استقته هسبريس “تنديدهم المستمر بحالة الطرق المُزرية إثر حوادث مميتة عرفتها المملكة، مثل حادثة تيشكا وغيرها”؛ وهو ما ورد على لسان منير بنعزوز، الكاتب العام للنقابة الوطنية لمهنيي النقل الطرقي، في حديث مع الجريدة.
وأعطى بنعزوز في معرض تصريحه، ما قال إنها “نماذج لمحاور طرقية تبقى حالتُها وبنيتُها التحتية لا تشرّف المغرب، سواء بسبب غياب التشوير أو كثرة الحفر والمنعرجات الخطيرة”، موردا في هذا الصدد طرقات يستخدمها مهنيو نقل البضائع بشكل يومي (طريق سيار الدار البيضاء – أكادير، مقطع إمنتانوت/أركانة، طريق وطنية بين الصويرة وأكادير)؛ قبل أن يدعو وزارة التجهيز إلى “إعادة النظر في حالة طُرقٍ لو خضعت للمراقبة فإن السير بها قد يُمنع، مع تكثيف مراقبة أشغال إصلاحها”.
كما جدد النقابي ذاته “مطلبا ملحّا” ورد في بلاغ مشترك لتنسيقية النقابات الوطنية لقطاع النقل الطرقي للبضائع، صادر في 18 غشت الجاري، مفاده “تحديد الحمولة القانونية للشاحنات بجميع منابع الشحن”، وهو ما يتيح حسب بنعزوز، “عدم الإضرار بالطرق المتهالكة أصلا”، نتيجة الحمولة الزائدة لبعض الشاحنات ووسائل النقل العامة.
كما نادى الكاتب العام للنقابة الوطنية لمهنيي النقل الطرقي بـ”إحداث لجنة مختلطة بيْن وزارية تتشكل من ممثلي وزارة الداخلية ووكالة ‘نارسا’ وقطاع التجهيز والنقل، يكون هدفها العمل على تشديد مراقبة الطرق وحالتها”، مشددا على ضرورة “تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة” المنصوص عليه دستوريا.
وفي سياق متصل، شخّص حسن الشهلاوي، فاعل مدني بمنطقة خريبكة واد زم، التي شهدت واقعة انقلاب الحافلة، في حديث مع هسبريس، مطالب تتعلق بتوسعة مقطعيْن طرقييْن يربطان الفقيه بن صالح مع كل من واد زم وخريبكة؛ منبهاً إلى “حالة غير صالحة نظرا لانعدام التشوير وكثرة التجاويف والحفر، فضلا عن ضيق الطريق وعدم صيانة حوّافها”.
وشدد الشهلاوي على ما اعتبرها أهم نقطة في الموضوع، وتتعلق بـ”ضرورة القيام بدراسات تقنية معمقة تراعي البعد الاستشرافي المستقبلي وخصوصية كل مقطع طرقي قبل إنجازه أو صيانته وإصلاحه، بدل المنطق العشوائي المهيمن حاليا في تدبير ملف الطرق بالمغرب”.
وخلص الناشط الجمعوي بإقليم خريبكة إلى “ضرورة مساهمة الفاعلين الصناعيين، ولو بقدر قليل، في إصلاح الطرق وتنمية البنية التحتية الشاملة للمنطقة التي تعرف انتشارا كبيرا لمناجم وأشغال متعددة”، مطالبا بضرورة “مراعاة البعد التقني في أشغال الصيانة والإصلاح الطرقي، والمتمثل في طبيعة التربة والأرض، ونوعية التربة والإسفلت”، لضمان عنصري الجودة والاستدامة.