يثير مشروع القانون رقم 25.19، المتعلق بالمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، الذي يصوّت عليه مجلس النواب اليوم الثلاثاء، انتقادات حادة من طرف هيئات ممثلة للمبدعين، لاسيَما في الشق المتعلق بإخضاعه للنظام العام.
وتعلل الهيئات الرافضة لهذا الطرح موقفها بكون الأموال التي يتصرف فيها مكتب حقوق المؤلف والحقوق المجاورة هي أموال الخواص وليست من الميزانية العامة، مطالبة بأن ينحصر تدخل الدولة عند حدود المراقبة/الوصاية، دون التدخل في تدبير شؤون المكتب.
في هذا الحوار مع هسبريس، يقدم مولاي أحمد العلوي، رئيس “الكونفدرالية المغربية للمنظمات الفنية”، موقف الهيئة التي يرأسها بشأن مشروع القانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ذاهبا إلى القول إن “إخضاع المكتب للقانون العام سيكون ظلما واعتداء فظيعا على حقوق المبدعين”.
ما سبب الخلاف الدائر حول مشروع القانون المتعلق بالمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة؟.
هو موضوع بسيط في العمق ومتشعّب في الأفكار. حقوق المؤلف هي حقّ وليست منّة أو صدقة، وهي خاضعة لضوابط ومعايير دولية يلتزم بها المغرب. وهناك هيئات دولية تتبّع جميع المؤسسات المعنية في هذا المجال للحفاظ على حقوق المبدعين، وأيضا برمجيات “Logiciels” تُمنح بناء عليها حقوق المبدعين، ولا يمكن أن تستعملها إلا مكاتب حقوق المؤلف المرخّص لها.
لذلك، عندما يتكلم المرء في هذا الموضوع ينبغي أولا أن يفهمه ويستوعبه بشكل جيد، فالمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة لا يعطي صدقة. ربما كانت الأمور غير واضحة في حقبة زمنية معينة، لكن بعد سنة 2010 وقع تحوُّل جذري في المكتب، إلى حد أنه أصبح يحتل الرتبة الثانية على الصعيد الإفريقي في كل ما يتعلق بالتدبير والحكامة والتسيير، بعدما كانت يحتل الرتبة الثامنة والعشرين.
وقبل سنة 2010 لم يكن المكتب المغربي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة منظما، لم يكن يتوفر على مديريات ومصالح، ولما جاء السيد خالد الناصري (وزير الاتصال الأسبق)، عمل على إعادة هيكلة المكتب، الذي أصبح منظما. كما أن الدولة وقعت عقد برنامج مع المكتب لهيكلته بقيمة 13 مليون درهم. وتم الاستمرار على هذا النهج في عهد السيد مصطفى الخلفي (وزير الاتصال الأسبق)، حيث تم توقيع عقد برنامج بقيمة 17 مليون درهم.
إذا كان مكتب حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة قد شهد تحوّلا جذريا، كما قلتم، فما سبب الخلاف المُثار حوله حاليا؟.
هناك من يقول إن المكتب غير قانوني، وهؤلاء ربما ليسوا على علم بأن المغرب دخل في هذه المنظومة منذ عام 1912، إذ صادق على اتفاقية إنشاء المنظمة الدولية لحقوق الملكية الفكرية.
ثانيا، ربما هناك من لا يهمهم في منظومة حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة سوى الجانب المالي، وهنا أريد أن أؤكد أن العائدات المالية توزع وفق ضوابط دولية. وربما هناك خلاف بين المبدعين حول هذه المسألة.
هل يعني هذا أن أساس الخلاف حول مكتب حقوق المؤلفين قائم على الجانب المتعلق بالمال؟.
هذا الجانب حاضر، لكن هناك جوانب أخرى. كما أسلفت فإن عددا من الأشخاص الذين يخوضون في هذا الموضوع غيرُ ملمّين به بشكل جيد، يعرفون فقط أنهم منخرطون في المكتب، وأنهم يجب أن يستفيدوا من عائداته.
الذين يرفضون مشروع القانون المتعلق بحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة بمُطلقه يروّجون كلاما غير دقيق، كما أنهم بهذا الكلام يعبّرون عن نفي وجود مجموعة من الظهائر والقوانين التي تنظم المكتب، وهذا أمر خطير.
ربما هناك نواقص تشوب مشروع القانون، لكن ينبغي أن نعالجها بوعي وحكمة وتبصّر. مثلا المادة 60 من مشروع القانون سالف الذكر كانت تنص على التدبير الجماعي للمكتب من طرف هيئة المؤلفين، وقد تم الاعتداء على المادة بتعويضها ببُند ينص على أن المكتب يستخلص حقوق المؤلفين، علما أن هذا المقتضى ورد في المادة الأولى من القانون.
هناك اختلالات أخرى، لكن يجب علينا أن نوجّه نقاشنا إلى بيت القصيد، وهو أن المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تتأتّى عائداته المالية من الخواص، ولا يمكن بحال من الأحوال تحويلها إلى الخزينة العامة للدولة، لأن المكتب يتمتع بالاستقلالية عن السلطة الحكومية، كما في جميع الدول، عدا الجزائر وتونس.
نحن نؤيّد أن يكون المكتب خاضعا لوصاية الدولة في إطار ما هو منصوص عليه في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، لكن لا يُمكن إخضاعه للنظام العام، ولا يمكن أن تتولى الدولة تدبير أمواله لأنها أموال الخواص. كما أن موظفي المكتب يتلقون أجورهم من مال الخواص وليس من المال العام.
وفي ما يتعلق بالمراقبة المالية، يجب أن تتم هذه المهمة من طرف مكتب للحسابات والمجلس الإداري، يُرفع بشأنها تقرير إلى المجلس الأعلى للحسابات.
هناك مَن يقول إن هناك “لوبيات” مشكّلة من فنانين يتقاضون أموالا طائلة تصرّ على عدم تغيير وضعية المكتب المغربي لحقوق المؤلفين؟.
كما قلت سلفا، هناك من يخوض في هذا الموضوع بدون علم، وأؤكد أن النقاش يقتضي الحكمة والتبصر والفهم، لأن الموضوع الذي نحن بصدده قانوني وله بعد عالمي؛ ولا يمكن للمغرب في ظل التحوّل الذي يشهده على المستوى القانوني والانتقال الديمقراطي أن يتموقع في موقع لا يتناسب مع هذا التطور.
بصدق أقول إن المغرب أصبح قُدوة في مجال حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة في القارة الإفريقية والمنطقة العربية. المغرب يُعدّ من البلدان القليلة المتقدمة في هذا المجال، وهناك دول عربية تريد أن تأخذه كمثال لأن تجربته قوية ومتقدمة.
لا أريد أن أخوض في الشق المادي، لكن لا بد أن أقول إنه من العيب أن نتحدث عن مبدعين كبار ونقول إنهم يتقاضون تعويضات كبيرة. هناك بعض المبدعين الشباب يشتمون الرواد الذين أثروا المجال الفني المغربي بإبداعات وأعمال مازالت رائجة إلى اليوم وترددها الأجيال الصاعدة.
من حق هؤلاء المبدعين الشباب أن يدافعوا عن حقوقهم، لكن عليهم ألا يتحدثوا بسوء عن الرواد، وبطريقة لا تليق بالمبدعين.
نحن في الكونفدرالية المغربية للمنظمات الفنية نرفض أن يكون المكتب المغربي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة خاضعا للقانون العام، لأن وضعيته القانونية لا تخوّل ذلك. وينبغي على البرلمانيين الذين سيصّوتون على مشروع القانون، والوزارة الوصية على القطاع، أن يعُوا أن ضمّ المكتب إلى القانون العام سيكون اعتداء وظلما فظيعا لحقوق المبدعين.