شهدت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، مناقشة أطروحة دكتوراه للطالب الباحث مصطفى جعا حول قانون الإضراب واستمرارية المرفق العام.
وناقش جعا أطروحته أمام لجنة تحكيم تضم كل من الدكتور نور الدين شحشاح رئيسا، والدكتور علي الحنودي مشرفا وعضوا، والدكتور حميد أبولاس عضوا إلى جانب الدكتور عبد الكبير يحيا عضوا، بهدف معالجة ظاهرة اجتماعية مهمة وملحة تمس الحياة اليومية لكل مواطن يقصد المرفق على اعتبار أن الإضراب جزء لا يتجزأ من الحق في التنظيم والتجمع وله ارتباط بحقوق الإنسان؛ غير أن العلاقة بين الإضراب والقانون دائما ما كانت معقدة.
واعتبرت الأطروحة أن تقنين الإضراب من أهم الأوراش التشريعية التي يجب أن يباشرها المغرب بعد دستور 2011، مشيرة إلى مشروع قانون تنظيمي لممارسة الحق في الإضراب 15-97 يضم عدة مقتضيات وشروط تحدد ممارسة هذا الحق، بين من اعتبره قانونا تكبيليا ومن اعتبره ضرورة للحفاظ على التوازن بين ممارسة الحق وعدم المس باستمرارية الخدمات العمومية؛ وهو ما يعني أن عملية تقنين الإضراب ستساهم في التفريق بين الإضراب القانوني والإضراب غير القانوني.
وذكر الطالب الباحث جعا، الذي يشغل منصب الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين، بأشكال وأنماط الإضراب والتي قد تأخذ ما هو قانوني وما هو محظور في أنظمة عديدة، فنجد مثلا الإضراب التقليدي والأكثر تداولا وشيوعا، والإضراب الدائري والذي يعتبر ممنوعا لأنه يضر بالمؤسسة ويستهدف الإنتاج، وكذلك نجد الإضراب بالتباطؤ والإضراب الحماسي والذي قد لا يعتبر إضرابا لأنه مباشرة العمل بطريقة بطيئة أو سيئة.
وأضاف الباحث ذاته أن الإضراب التضامني والسياسي الأكثر خلقا للجدل ويعتبر غير مشروع إلا إذا كان الهدف منه دعم الموظف المفصول أو أن يكون مصحوبا بواحد أو أكثر من المطالب المهنية التي تهم جميع الموظفين؛ غير أن الطبقة العاملة تتشبث بالإضراب الفجائي والذي يعتبره النقابيون إضرابا مشروعا بداعي أن إخضاع الإضراب للإشعار ليس أكثر من “تكتيك وتأخير” يهدف إلى إفشال أي محاولة للجوء إلى الإضراب أو إنجاحه. وأخيرا إضراب الاعتصام والذي تبيحه بعض الأنظمة القانونية شريطة عدم المس بحرية العمال غير المضربين.
وأشارت الأطروحة إلى الشروط القانونية لصحة الإضراب والتي تختلف من نظام قانوني إلى آخر؛ فنجد أن اللجوء إلى الإضراب في القطاع العام بالنسبة لبعض الأنظمة يكون في أضيق الحدود، للحيلولة دون استخدام الإضراب كوسيلة لتعطيل سير المرافق العامة بشكل سيلحق ضررا جسيما بالمواطنين المستفيدين من الخدمات العامة.
وأضافت الأطروحة ذاتها أن تحديد شروط وكيفيات ممارسة الإضراب هو من صميم عمل المشرع من أجل تفعيل حق دستوري بقي مسكوتا عنه لسنوات طويلة؛ لكن هذا لا يعني التضييق على الحق أو تكبيله وإفراغه من محتواه، فلا يعقل أن يتم التنصيص الدستوري على حق من الحقوق ليأتي القانون المنظم ويفرغه من محتواه ويجعل ممارسته مستحيلة.
واتجه المشرع المغربي، وفق المصدر ذاته، إلى تبني المقاربة نفسها بداية بالرقي بالحق في الإضراب إلى حق دستوري من خلال دستور 2011، كما جاء في الفصل 29 والذي نص على أن هذا الحق سيمارس من خلال قانون تنظيمي يحدد شروط وكيفيات الممارسة.
وقال الباحث جعا إنه على الرغم من المحاولات العديدة لإخراج القانون التنظيمي والتي كان آخرها مشروع قانون 15-97 فإن طريقه للمصادقة ما زال متعثرا؛ وهو ما يترك المجال مفتوحا لمختلف الممارسات التي قد تأخذ مسار الممارسة المطلقة للحق أو مسار التضييق من خلال إعمال قيود مفرطة، وهو الشيء الذي سبق أن أشارت إليه وأوصت به لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقدمت توصية إلى الحكومة المغربية باتخاذ تدابير لإلغاء القيود المفرطة المفروضة على الحق في الإضراب، ولا سيما تلك المنصوص عليها في المادة 288 من القانون الجنائي والتي تجرم بعض أشكال الإضراب.
ومن أجل إنجاح ورش تنزيل قانون الإضراب، اقترح الباحث جملة من المقترحات والتوصيات؛ من قبيل ضرورة تشكيل لجنة ثلاثية لإعداد وتعديل مسودة مشروع القانون التنظيمي 15-97 تتكون من ممثلي السلطة التنفيذية وممثلي النقابات وأرباب العمل للوصول إلى صيغة متوافق عليها بدل الاقتصار على تصور فردي للسلطة التنفيذية قد يكون السبب في احتقان اجتماعي.
كما اقترح المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية وفك الارتباط بين الإضراب السلمي وتطبيق المادة 288 من القانون الجنائي، على اعتبار أن مبادئ الحرية النقابية لا تسمح للعقوبات الحبسية في الإضرابات السلمية تحت أي مبرر .
وطالب الباحث ذاته بمراجعة مسطرة الاقتطاع من أجور المضربين لكون الإضراب ليس بحالة تغييب غير مشروع عن العمل تماشيا مع المعايير الدولية، والتي أقرت أن العمال المضربين يعتبرون في حالة عمل وكذا إقرار إمكانية اللجوء إلى الوساطة المستقلة كما جاء في المعاهدات الدولية لتخفيف العبء على السلطة وخلق جو من التحفيز والتوافق بين الأطراف المسؤولة عن ضمان استمرارية المرفق العام، وتحديد لائحة مسبقة لحالات الإضرابات غير مشروعة وغير قانونية بالمرافق العامة بمشاركة جميع المتدخلين، والمصادقة على قانون النقابات قبل مباشرة تبني قانون الإضراب؛ لأنه لا يعقل أن أغلب الإضرابات تقوم بها وتقودها النقابات والتي لا تتوفر على قانون يؤطر عملها .