عن مطبعة وراقة بلال بفاس، صدر حديثا للشاعر والناقد المغربي الدكتور إسماعيل علالي ديوان موسوم بعنوان “بعيدا عن الملائكة.. قريبا من إيقاع جبريل”، يعد أول ديوان فردي للشاعر المغربي.
ويأتي هذا الإصدار بعد مشاركة علالي في أربعة دواوين جماعية، هي “سماء أخرى تظلنا”، وديوان “عيلان عبد الله الكردي”، الصادر عن منشورات مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين، وديوان “عبد السلام بوحجر في عيون الشعراء”، المهدى لروح شاعر الجماليات العليا عبد السلام بوحجر، وديوان “تنطفئ الأيقونات لكنها لا تموت”، المهدى لروح الزعيم الوطني عبد الرحمان اليوسفي؛ فضلا عن كتابه النقدي القيم الموسوم بـ”التكوثر الجمالي في الخطاب الشعري المغربي المعاصر”.
ويتضمن الديوان الشعري فصلين: الأول موسوم بـ”من شرفة الخليل”، وضم أربع عشرة قصيدة توزعت بين نمطي الشعر العمودي والتفعيلي، (عرفان/ ريمان/ تَحنان أندلسي/ شهد/ نوبة الوصل والهجران/ سمسمة الروح/ طقطوقة جبلية/ لوجدة يهدى القصيد/ بنت غرناطة أو شمال الغرام/ فيوض مكناسة/ دخول إلى فاس ليلا/ مواقيت الهوى/ رسالة حب إلى خليل المريزق).
أما الفصل الثاني فحمل عنوان الديوان “بعيدا عن الملائكة …قريبا من إيقاع جبريل”، وضم بين دفتيه خمس عشرة قصيدة جاءت عناوينها على النحو الآتي: “صراط إسماعيلي / مديح الفوضى …رثاء العدم/ في الطريق إلى القصيدة العليا/ نشيد الجمال/ سوناتا القبول/ من أسفار موسى العربي/عشق/ حاء الحنين جيم الجنون/ سيكا الغضب/ من أوجاع سيزيف المغربي/ وصايا عيلان/عرس القطيعة / طبول الغياب/ رحيل التروبادور الأخير/ صوت عبد السلام بوحجر”.
وقد زين غلاف الديوان المذكور بلوحة للفنان المغربي نور الدين برحمة، وقدم له مخلص الصغير، أديب ومدير دار الشعر بتطوان؛ ومما جاء في تقديمه لهذه التجربة الشعرية المغربية المتميزة قوله: “هكذا وَضَحَ لي، منذ البداية، أن لإسماعيل علالي شجرةَ أنسابٍ شعريةٍ تمتد جذورُها في أراضي الشعر، وتحلق أغصانُها في سماوات القصيدة وأعاليها، بعيدا عن الملائكة.. قريبا من إيقاع جبريل”.
ويرى الأديب نفسه أن الشاعر علالي في هذا الديوان إنما يحقق تراكما شعريا ضافيا وهو يسجل اسمه في مذهب شعري مغربي معاصر ينتصر للإيقاع الخليلي مدخلا لإعادة تحديث قصيدتنا، وسبيلا نحو استئناف القول الشعري من جديد؛ مثلما تتقاطع تجربته الشعرية في بعدها “النشيدي” مع شيوخ التفعيليين المعاصرين، أمثال إدريس الملياني ومحمد علي الرباوي وسواهما من أعلام “السماع الشعري” في المغرب.
ويضيف الصغير أنه بخلاف الكثير من الأصوات العمودية الجديدة في مغربنا الشعري، لا يجاري إسماعيل علالي الموجة الجديدة من العموديين في المشرق، لكنه ينحت قصيدته على طريقة أهل المغرب والأندلس في الإنشاد والغناء والإقراء سواء بسواء؛ إِذِ الشعرُ في البدء والمنتهى ثقافةٌ وهوية وانتماء.
واستحضر المصدر ذاته الطبائع الإيقاعية المغربية والصنائع الشعرية الأندلسية في أكثر من قصيدة ومقطع، وصورة ومطلع، خاصة في قصيدة “تحنان أندلسي”، عبر نوباتها الندية ولغتِها الشجية وتوشياتِها العذبة؛ والأمر نفسه نصادفه في قصيدة “نوبة الوصل والهجران”.
كما يفصح الشاعر عن هذا الولع الموسيقي المغربي أكثر في القصيدة الموالية “طقطوقة جبلية”. ويهيمن المعجم الموسيقي في هذا الديوان منذ العنوان “إيقاع”، ثم النشيد، فالغناء واللحن والأغنيات والموال والنغمة والسوناتا والطبول والمواويل و”أدوزن” و”يدندن”، والجرس والعازفون والرباب والعود والكمان والشجي، والسيكا والكرد والنهوند والكود والوتر والكورال والقفل والتوشية، “زرن طق طق”، حين يستحضر إيقاعات الموسيقى الجبلية في أقاصي شمال المغرب.
هذا التأصيل لشعرية مغربية كاملة الأوصاف والقواعد والأعراف، من حيثُ التشكيل اللغوي والإيقاعي، يرافقه، لدى إسماعيل علالي، تأصيل دلالي وجمالي، معرفي وعرفاني، عبر مرجعية صوفية إشارية لا تُحَدِّثُ الناسَ إلا رمزا وشعرا، وهي تخاطب الوجدانَ في الإنسان، والروحَ في الأبدان، قريبا مما يسميه هذا الشاعر الباحث تكوثرا جماليا في مسيره البحثي، انطلاقا مما أسس له المشروع الفكري لطه عبد الرحمن، وعطفا عليه. وهنا تحضر المقولات والمفهومات الصوفية منذ عنوان القصيدة الأولى “عرفان”، مرورا بمعاني الحلول والاتحاد والسكر والصحو والفيض والطواسين والحواميم… يورد المصدر ذاته.
وتمنح هذه التجربة هويتها المخصوصة، ليتقدم صوت الشاعر في مواجهة القارئ، بينما تقف من ورائه جوقة من الشعراء وكورال من المرجعيات التي يصلنا صداها الشعري والفكري، وتأتينا تأملاتها من بعيد. في حين يعلن الشاعر صرخته الجمالية بـ”العلالي”، نسبة إليه.