شكل مرور أربع سنوات على توقيع “اتفاقيات إبراهيم” للسلام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، بينها المغرب، مناسبة للوقوف على حصيلة تطور الرواج التجاري المغربي- الإسرائيلي، إذ بلغ 8.4 ملايين دولار خلال يوليوز الماضي فقط، بزيادة نسبتها 40 في المائة مقارنة مع الفترة ذاتها من 2023، فيما قفزت قيمة المبادلات بين الجانبين بنسبة 56 في المائة خلال سبعة أشهر الأولى من السنة الجارية، لتصل إلى 68.3 مليون دولار خلال سبعة أشهر الأولى من هذه السنة.
وحسب الإحصائيات الصادرة عن معهد “اتفاقيات إبراهيم” للسلام فالمبادلات التجارية بين المغرب وإسرائيل لم يتأثر تطورها بتداعيات الحرب على غزة، وحملات المقاطعة التي اجتاحت مجموع الدول العربية، بما فيها تلك الموقعة على “اتفاقيات إبراهيم”، إلا أنها ظلت الأقل قيمة مقارنة مع الإمارات العربية المتحدة (283.5 مليون دولار) خلال يوليوز الماضي، ومصر (76 مليون دولار)، وكذا الأردن (51.5 مليون دولار)، والبحرين (17.9 مليون دولار)، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مراحل التعاون الاقتصادي التي بلغتها المملكة مع الكيان الإسرائيلي؟.
وتركزت المبادلات التجارية المغربية- الإسرائيلية في قطاع المعلومات والتكنولوجيا الحديثة، حيث تشتهر إسرائيل بتقدمها التكنولوجي، خصوصا في مجالات الفلاحة والأمن السيبراني، والتقنيات الخضراء؛ فيما بدأت الشركات المغربية والإسرائيلية التعاون في هذه المجالات بهدف نقل الخبرات والابتكارات، متبوعة بقطاع الفلاحة، حيث انتقل التعاون بين الجانبين إلى السرعة القصوى، في سياق سعي المملكة إلى الاستفادة من التقنيات الإسرائيلية لزيادة الإنتاجية وكفاءة تدبير المياه، خاصة في ما يتعلق بأنظمة الري؛ ثم القطاع السياحي، باستئناف الرحلات المباشرة بين الوجهتين، ليشهد نموا ملحوظا، ساهم بشكل غير مباشر في تعزيز التبادل التجاري المرتبط بالخدمات السياحية.
اتفاقيات ضريبية وجمركية
مازالت قيمة الرواج التجاري بين المغرب وإسرائيل الأقل مقارنة مع الدول العربية الأخرى الموقعة على “اتفاقيات إبراهيم” للسلام، بسبب تباطؤ المفاوضات الخاصة بالاتفاقيات الضريبية والجمركية المؤسسة لاتفاق تبادل تجاري حر مرتقب بين الجانبين، من شأنه رفع الرواج المذكور إلى مستويات أعلى خلال فترة زمنية وجيزة، في وقت يسعى الجانبان إلى زيادة المبادلات إلى أكثر من 500 مليون دولار سنويا، فيما ستوفر الاتفاقيات المنتظرة للشركات في كلا البلدين إطارا قانونيا أكثر ملاءمة للتبادلات والاستثمارات.
وبالنسبة إلى زكرياء خليل، خبير في التجارة الدولية واللوجستيك، فالاتفاقيات الضريبية، وخاصة تلك التي تهدف إلى تجنب الازدواج الضريبي، ستلعب دورا مهما في تحفيز الاستثمارات الإسرائيلية المباشرة في المغرب، خصوصا أن أغلب الشركات الإسرائيلية تتردد في الاستثمار بدول لا يوجد فيها نظام ضريبي واضح يحميها من الضرائب المزدوجة، مشددا على أن “تسريع إبرام اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي بين الجانبين من شأنه أن يخلق مناخا استثماريا ملائما، يشجع المستثمرين من المغاربة والإسرائيليين على الاستثمار بشكل أكبر، ما سيؤدي إلى زيادة التدفقات الاستثمارية، ويرفع قيمة المبادلات التجارية”.
وأضاف خليل، أن توقيع اتفاقيات جمركية بين المغرب وإسرائيل من شأنه تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات المتبادلة بين الجانبين، موضحا أنه إذا كانت هذه الرسوم منخفضة أو ملغاة بموجب اتفاقية تجارة حرة فسيؤدي ذلك إلى تراجع تكاليف المعاملات التجارية، ما يجعل المنتجات أكثر تنافسية من حيث السعر، مستدلا على ذلك بالقول إن “المنتجات الإسرائيلية في مجالات التكنولوجيا الفلاحية أو الطاقة المتجددة ستكون أرخص عند استيرادها إلى المغرب، والعكس صحيح بالنسبة إلى المنتجات المغربية المصدرة إلى إسرائيل”.
آفاق تجارية غامضة
منذ تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل في دجنبر 2020 في إطار “اتفاقيات إبراهيم” شهد الجانبان دينامية إيجابية في مبادلاتهما التجارية خلال السنتين الأولى والثانية من توقيع الاتفاقية، مع أهداف طموحة لزيادة حجم التبادل التجاري ليصل إلى 500 مليون دولار سنويا، إلا أن الواقع بعد ذلك زاد الشكوك حول الآفاق التجارية بين البلدين، بسبب الأحداث السياسية المتعاقبة، المرتبطة بالقضية الفلسطينية، واستمرار تباطؤ الاتفاقيات الضريبية والجمركية، ما أثر سلبا على حجم التدفقات الاستثمارية بين البلدين، رغم الزيارة التي قادها رجال أعمال وأرباب شركات كبرى من الاتحاد العام لمقاولات المغرب إلى إسرائيل.
وأوضح مروان الكسيري، محلل أسواق تجارية بمكتب للدراسات في الدار البيضاء، أن “رأس المال جبان، وأي شكوك حول الاستقرار في العلاقات السياسية أو الأمنية أو التجارية تبطئ وتيرة تدفق الاستثمارات بين أي بلدين”، مؤكدا أن الكرة في ملعب الشركات الإسرائيلية الكبرى التي يمكنها أن تحفز مقاولات أخرى أصغر حجما من أجل الاستثمار، ومشددا على أهمية استكمال الإطار التشريعي الخاص بالمبادلات التجارية، خصوصا الجانبين الجبائي والجمركي، لغاية توفير ضمانات للمبادلات التجارية والمتعاملين.
وأفاد الكسيري، في السياق ذاته، بأن الفلاحة والتكنولوجيا الفلاحية تمثلان مجالين مستعجلين لرفع مستوى المبادلات التجارية، إذ يمثل القطاع الفلاحي أرضية خصبة للتعاون بين الجانبين، موردا أنه بفضل مساحات فلاحية واسعة وطموحات لتحديث الفلاحة يمكن للمغرب أن يستفيد من الخبرة الإسرائيلية في التكنولوجيا الفلاحية المتقدمة، خصوصا في تدبير المياه وأنظمة الري، وخاتما بأن إسرائيل طورت تقنيات الري بالتنقيط، وحلولا لتحسين استخدام الموارد المائية في المناطق القاحلة، ما سيتيح للمملكة زيادة إنتاجيتها الفلاحية وضمان أمنها الغذائي.